شكلت زيارة نتنياهو الى تشاد انتقالا نوعيا في العلاقة بين إسرائيل والدول الافريقية، من ناحية القرب من الفضاء المغاربي والعربي. فقد كان هم الاسرائليين خلال الفترات الماضية ومنذ ثمانينات القرن الماضي التركيز على جنوب ووسط القارة وخاصة اثيوبيا ووصولا الى جنوب السودان بعد انفصالها. حيث عرضت إسرائيل في السنوات الماضية إمكانية التعاون في مجالات عدة تتراوح من الأمن إلى التكنولوجيا مرورا بالزراعة سعيًا إلى تطوير علاقاتها في القارة الأفريقية.
وتعد هذه الزيارة سابقة منذ قطع عدة دول إفريقية علاقاتها مع إسرائيل بضغط من البلدان الأفريقية المسلمة إثر نكسة 1967 وحرب أكتوبر 1973. فهي أول زيارة لرئيس وزراء إسرائيلي لدولة افريقية ذات أغلبية مسلمة. وقد قطعت تشاد علاقاتها مع إسرائيل عام 1972، ليصبح الرئيس التشادي إدريس ديبي هو أول رئيس من وسط أفريقيا يزور دولة الاحتلال.
هذا المسار الاسرائيلي المحتشم لتطبيع العلاقات مع الدول الأفريقية انقلب الى ضرب من ضروب الاستعراض التطبيعي، الذي لم يعد يرى في ربط علاقات مع دولة الاحتلال أمرا شائنا، نقلة نوعية تعززت منذ أن طبعت مصر علاقتها مع اسرائيل نهاية سبعينات القرن الماضي، بعد كانت خاصة في حقبة عبد الناصر نافذة العلاقات افريقيا لأسباب عدة أبرزها تأثيرات الصراع بين القطبين وخط عدم الانحياز والتضامن العالم ثالثي.
تحولات أفريقية جعلت من هذه الأبعاد الجيوسياسية تتراجع منذ الثمانينات مع تراجع التجارب الرائدة لتعزيز استقلال القارة ووضلوع القوى الاستعمارية السابقة والجديدة في ترتيبات الحكم وموجة الانقلابات والصراعات التي تشهدها القارة السمراء.
اسرائيل لم تكن بعيدة عن كل هذه الممارسات فقد عملت استخباراتها وسياساتها سرا وعلنا على إيجاد موطئ قدم لها في القارة، خاصة من خلال المساعدات الاقتصادية والعسكرية .
وبالتزامن مع موجة تطبيع العلاقات الدبلوماسية باتت اسرائيل عنصرا مؤثرا في المشهد الافريقي، تحاول من خلال شبكات علاقاتها توجيه دول القارة ومواقفها لصالح قضاياها بالمنظمات الأممية .
نقلة نوعية مهمة مثلها انفصال جنوب السودان، توازت مع ظهور تطورات جديدة، ولم تكن اسرائيل في كل هذا بعيدة عن الحراك الانفصالي، فقد كانت داعمة للحركة الانفصالية المسلحة على امتداد ثمانينات القرن الماضي.
وشائج اسرائيل بقادة الجنوب السوداني توجت بزيارة رئيس الدولة الجديدة سيلفا كير إلى تل أبيب. خطوة كسرت حاجزا رقيقا وقربت المصالح الإسرائيلية من دول الساحل والصحراء وكانت زيارة إدريس دبي منذ أشهر، فاتحة عهد جديد، تزامنت مع تصريحات لنتنياهو بشأن قرب فتح سفارة لبلاده في الخرطوم رغم النفي السوداني.
تطورات هذه العلاقات التي مثلتها زيارة نتنياهو لنجامينا، في أول زيارة لرئيس وزراء إسرائيلي إلى تشاد منذ انقطاع العلاقات بين البلدين مطلع السبعينات، وإعلانه دخول العالم الإسلامي من البوابة الأفريقية يعد خطوة شجاعة وجريئة تنسجم مع السياق العام عربيا واسلاميا، حيث تبدو القضية الفلسطينية في آخر مراحل تصفيتها، في ظل الخطوات الأميركية غير المسبوقة بنقل سفارتها لللقدس المحتلة والتحاق عدد من الدول الأخرى بها، فيما يسود صمت عربي هو أقرب للتواطئ وسط توجه منه العلني ومنه السري لتطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال ومحاولات إنهاء القضية بصفقة لم تكتمل أركانها بعد.
زيارة نتنياهو جاءت ردا على زيارة قام بها ديبي لإسرائيل في نوفمبر الماضي بعد 46 سنة من انقطاع العلاقات بين البلدين. حيث اعتبر رئيس وزراء الاحتلال “إن هذا ما هو إلا جزء من الثورة التي نقوم بها على صعيد العلاقات مع العالم العربي والإسلامي، والتي وعدتكم بأن تحدث. وهناك المزيد من الأخبار والمزيد من الدول”. مضيفا إن ذلك” يثير انزعاج إيران ويغضب الفلسطينيين الذين لا يريدون له أن يتحقق. لكنهم لن ينجحوا”.
تساؤلات عدة طرحت بشأن مضامين المحادثات ومدى تضمنها لصفقات سلاح، وسط تقارير وتصريحات لمصادر أمنية تشير إلى أن تشاد حصلت على أسلحة من إسرائيل لمواجهة المتمردين فيها. يشار إلى ان تشاد انضمت إلى العمليات العسكرية التي يدعمها الغرب ضد تنظيمات مسلحة متشددة تسيطر على بعض المناطق في دول أفريقية، أبرزها تنظيمي بوكو حرام وداعش.
وبدأ نتنياهو في الفترة الأخيرة جهودا تستهدف تحسين علاقات تل أبيب بمحيطيها العربي والإسلامي، متوقعا تحقيق إنجازات واختراقات دبلوماسية مهمة في قادم الأيام . وهو أمر يطرح عدة أسئلة بشأن الصفقات الظاهرة منها والباطنة لتطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال في ظل مخاوف حقيقية بتصفية القضية الفلسطينية.