الكويت، 30 يونيو 2019(csrgulf): زادت التوقعات باحتمال تسجيل صفوف المعارضة الكويتية لخسارة أكبر لمقاعدها في البرلمان في الانتخابات المقبلة لمجلس الأمة بسبب محدودية تضمن رؤية المعارضة لحلول بديلة للأزمات والقضايا الشعبية الراهنة، وأيضا بسبب ديناميكيات النظام الانتخابي القائم على الصوت الواحد الذي يشجع الناخبين على البحث عن نواب “الخدمات” للانتفاع بمزايا ومصالح شخصية. يضاف الى ذلك احتمال تأثر أعضاء من المعارضة بقانون أقر في يونيو 2016، يمنع الكويتيين الذين تعرضوا بالإهانة للأمير أو الذات الإلهية أو الأنبياء من خوض الانتخابات، وهو ما سيضعف موقفهم في الاستحقاق الانتخابي المقبل إن قرروا أن يخوضوها[1].
وحسب تحليل لمركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf)، فقد أظهرت نتائج الانتخابات التكميلية تغييرا في ميول جزء من الناخبين الكويتيين نحو تفضيل خيار النواب المستقلين على حساب عناصر المعارضة. هذا التغيير من المرجح أن يستمر مقلصاً بذلك من حظوظ المعارضة التقليدية القائمة على الصدام ومنهج رفض سياسات الحكومة بدون تقديم حلول أو رؤى بديلة، وهو ما أدخل البلاد لطيلة سنوات في علاقة تأزيم بين السلطتين أثرت سلباً على نهضة البلاد. وحسب رصد لإحصائيات تقدم المشاريع التنموية في دول مجلس التعاون الخليجي، تعتبر الكويت متأخرة عن قاطرة التنمية التي تسارعت في دول أخرى في المنطقة. هذا التأخر الذي تدفع ثمنه تسارع وتيرة التنمية ترجح تقارير الى التأزيم في علاقة الحكومة والبرلمان في العقد الماضي والذي أسهم في تعثر مشاريع حكومية بدون تقديم حلول بديلة.
فحسب توقعات البنك الدولي[2] للنمو الاقتصادي هذا العام وآفاق النمو في العام المقبل في دول مجلس التعاون الخليجي، صنفت الكويت متأخرة خليجياً على الرغم من بعض التحسن، حيث حصلت على المرتبة قبل الأخيرة خليجياً في مقابل طفرة استثمارات في الدول الخليجية الأخرى التي عززت من مسارات النمو خصوصا في القطاع الخاص. ويرجع تباطؤ النمو لتبعات تراكمات تأخر تقدم مشاريع كبرى وأزمة قطاع الاستثمار الخاص، وهي مشاكل تأخر حلّها خصوصاً في الفترة التي شهدت عدم استقرار سياسي وتوتر مستمر في العلاقة بين البرلمان والحكومة منذ 2009 الى 2012.
وعلى صعيد آخر، أدى تأزم العلاقة بين البرلمان والحكومة الى تراكم مشاكل اجتماعية خصوصاً تفاقم البطالة التي ارتفعت بين 2009 الى 2012 من 1.6 في المئة الى نحو أكثر من 2 في المئة[3]. ومثل هذه المشاكل لم تستطع أجندات المعارضة إيجاد حلول شاملة بشأنها.
وفي حين حاولت المعارضة طرح حلول وخيارات اصلاح الا أن فاعليتها كانت محدودة لتحسين أوضاع الكويتيين الاقتصادية والاجتماعية. كما أنه في ظل التغييرات السياسية المتسارعة التي نجمت عن أحداث الربيع العربي التي طالت رياحها دول الخليج خصوصاً بين 2011 الى 2012، تأثرت المعارضة الكويتية بمسارات انتكاسة التغيير السياسي الذي أذكى الربيع العربي شرارته في 2011، وسرعان وما تلاشى تدريجياً في منطقة الشرق الأوسط والخليج. اذ تراجع زخم المعارضة الكويتية رغم استقرار مطالب الإصلاح التي بلغت ذروتها أعقاب الانتفاضات العربية.
وباعتماد تكتيكات مختلفة كتعديل قانون الانتخاب والاستجابة لبعض مطالب المعارضة مثل استباق محاربة الفساد والعمل على تحقيق تطلعات الكويتيين في حياة أفضل، استطاعت الحكومة اليوم كسب تعاطف شعبي أكبر وتأييد أوسع من المستقلين في البرلمان، وذلك ما أدى الى تراجع جزئي للدعم الشعبي لتيارات وأفراد المعارضة المطالبة بتغيير شامل وسريع وجذري على أساس الصدام مع الدولة والنظام وهو ما برز جلياً في نتائج الانتخابات التكميلية التي أفرزت مستقلين على حساب المعارضة.
وتبدو المعارضة اليوم بصفة خاصة تحت قبة البرلمان مرتبكة ومنقسمة أكثر من أي وقت مضى إزاء دعم مسارات التعاون مع الحكومة أو رفضها بدعوى عدم السقوط في التبعية أو التهميش.
كيف شتت نظام الصوت الواحد المعارضة لصالح المستقلين
حسب دراسات مختلفة فان من بين تحديات قانون الانتخابات الجديد (الصوت الواحد) احتمال تعزز دوره في تآكل “التعددية المجزأة”[4] الحيوية لواقع مجلس الأمة. اذ حدت التغييرات من قدرة النخب المعارضة على الفوز في الانتخابات وتشكيل الكتل البرلمانية المؤلفة من الائتلافات المرتبطة بالحملات الانتخابية. وفي حين أن تنوع الحياة السياسية في الكويت سيستمر على الأرجح، فإن الآليات التي من خلالها يتقدم المرشحون والمواطنون إلى الانتخابات سيكون لها آثار دائمة على الأجيال المقبلة[5].
ولقد غير نظام الصوت الواحد الجديد الطريقة التي يتعامل بها كل من المرشحين والمواطنين مع الانتخابات. فمن البداية، كان واضحا أن التحول إلى نظام الصوت الواحد حد من قدرة المجموعات المختلفة (القبائل والأحزاب الأولية والفصائل الأخرى المرتبطة أيديولوجيًا) على تشكيل ائتلافات (قوائم) انتخابية وتعبئة الناخبين[6]. أما في ظل نظام الاقتراع بأربعة أصوات، كان من المألوف أن يوزع الكويتيون أصواتهم بين المرشحين الذين ساندوهم على أساس الروابط الاجتماعية أو السياسية[7].
في الأثناء، تغيرت استراتيجية المرشح في ظل نظام الصوت الواحد، مما يلغي قيمة الائتلافات أو القوائم الانتخابية. وهذا بدوره شجع المرشحين على تركيز جهود التعبئة على الدوائر الانتخابية في مناطقهم حيث من المرجح أن يحصلوا على صوت واحد للناخب، بدلاً من محاولة الحصول على دعم مجموعات مختلفة في جميع أنحاء الدائرة. وفي ظل النظام الانتخابي القديم كان مرشحو المعارضة القبلية والإسلامية أكثر قدرة على تأمين المزيد من الناخبين عبر الدوائر الانتخابية عندما تمكن الناخبون من توزيع أصواتهم على أفراد الأسرة وممثلي القبائل وممثلي الفصائل السياسية المختلفة. لكن اليوم مع نظام الصوت الواحد، أصبحت الجهود المبذولة لتعبئة الناخبين عبر العديد من الدوائر الانتخابية أكثر صعوبة. حيث بموجب نظام الصوت الواحد ما عاد من الممكن للمرشحين تشكيل ائتلافات وجذب الأصوات المتأرجحة الثانية والثالثة والرابعة للناخبين. وقد حفز التحول إلى نظام الصوت الواحد المرشحين على التركيز على الدوائر الانتخابية التي هم على دراية بها[8].
وعلى صعيد آخر، قام النظام الانتخابي الجديد بتقسيم الميول التعاونية بين النواب الذين ينتمون إلى دوائر مماثلة مع وجود قواعد انتخابية متداخلة[9]، وهو ما شجع المنافسة داخل مجموعات متماسكة سابقا. ففي عام 2016، أصبح على المرشحين المنتمين إلى بعض القبائل منافسة بعضهم البعض لكسب تأييد أعضاء القبائل. وقد شجعت الديناميكيات الجديدة للانتخابات المواطنين على البحث عن ممثليهم للحصول على الخدمات[10]. وتختلف أنواع الخدمات التي يقدمها النواب بين المناطق، ولكنها تشمل، على سبيل المثال، تقديم الدعم للمصالح التجارية والحصول على الرعاية الصحية والتوظيف. وتدفع المرشحين إلى التنافس على تأكيد قدرتهم على تقديم الخدمات.
ويجدر الذكر أن القانون الانتخابي السابق وان شجع المرشحين على بناء جسور مع أنواع مختلفة من الناخبين، فإن القانون الجديد قد فعل العكس. ففي السابق، كان المرشحون يفخرون بقدرتهم على كسب تأييد جميع الناخبين المختلفين: سنيًا أو شيعيًا، ليبراليًا أو إسلاميًا، وحضر أو بدو، وما إلى ذلك. لكن اليوم يلجأ الكثيرون إلى الاستقطاب في محاولة لجذب الدعم من أولئك الناخبين الذين من المرجح بالفعل أن يصوتوا لصالحهم.
المصدر: فريق مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf)
[1] كورتني فرير، تشاؤم المعارضة الكويتية إزاء الانتخابات القادمة، معهد دول الخليج العربية في واشنطن، أكتوبر 2016، https://agsiw.org/ar/pessimism-of-the-kuwaiti-opposition-in-the-face-of-upcoming-elections-ar/
[2] Wolrd Bnak, Gulf Economic Monitor, April 2019: Building the foundations for economic sustainability: Human capital and growth in the GCC, http://www.worldbank.org/en/country/gcc/publication/gulf-economic-monitor-april-2019
[3] IMF & CSR research, Capital Standards Rating (CSR) assigns sovereign rating of AA(pi) to Kuwait, Capital standards, 2013, http://www.infomercatiesteri.it/public/images/paesi/107/files/Kuwait%20Sovereign%20Rating%20announcement_pdf%2013%20Capitalstandards.pdf
[4] Tavana, Daniel L. 2018. The Evolution of the Kuwaiti ‘Opposition’: Electoral Politics after the Arab Spring. Issue brief no. 08.07.18. Rice University’s Baker Institute for Public Policy, Houston, Texas. https://www.bakerinstitute.org/media/files/files/c4ee2f5d/bi-brief-080718-cme-carnegie-kuwait1.pdf
[5] Tavana, Daniel L. 2018. المرجع نفسه
[6] Tavana, Daniel L. 2018. المرجع نفسه
[7] Tavana, Daniel L. 2018. المرجع نفسه
[8] Tavana, Daniel L. 2018. المرجع نفسه
[9] Tavana, Daniel L. 2018. المرجع نفسه
[10] Tavana, Daniel L. 2018. المرجع نفسه