- خروقات في سياسة العراق لمكافحة الوباء تقف وراء ذروة تفشي العدوى
الكويت، 8 يوليو 2020 (csrgulf): خاض العراق حروباً كثيرة على امتداد التاريخ المعاصر، الا أن مواجهته الأخيرة لخصم عنيد تمثل في وباء فيروس كورونا المستجد الذي اشتد انتشاره وفتكه بالعراقيين، يعد بين أكبر المواجهات تكلفة على الصحة و المجتمع والاقتصاد والسياسية ويحمل في المستقبل تداعيات مختلفة غير واضحة المعالم قد تعصف باستقرار البلاد التي بدأت تفقد السيطرة على كبح جماح انتشار الفيروس الذي أربك الحياة في العراق.
وتكشف مؤشرات تفشي فيروس كورونا المستجد (covid 19) في العراق عن زيادة مخاطر انهيار البنية التحتية الصحية للبلاد بفقدان السيطرة على انتشار العدوى الآخذة في الارتفاع رغم زيادة عوامل الحرارة والرطوبة التي لم يكن لها أي تأثير يذكر في الحد من زيادة الإصابات في العراق وبقية دول منطقة الخليج. ومن غير المستبعد أن تكون حالات وافدة من إيران حديثاً من تسببت في ذروة انتشار العدوى.
يوضح تقرير بحثي لمركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf) استناداً على رصد تطور انتشار فيروس كورونا في العراق وبقية دول الخليج، أن خروقات كبيرة لإجراءات إغلاق الحدود العراقية خاصة مع إيران وتركيا فضلاً عن انتهاك لقيود الحجر الصحي على الأرجح أنها من أدت الى تطور مفاجئ لانتشار الوباء في العراق منذ بداية الصيف. وهذه الخروقات حدثت على مستوى حركة تنقل الافراد والسلع خاصة من الدول الحدودية للعراق.
ومن المرجح أن وصول العراق لتسجيل ذروة تفشي الفيروس في فترة قياسية منذ بداية النصف الثاني لشهر يونيو يمكن تفسيره بتسبب حالات وافدة من الحدود الإيرانية والتركية حاملة للفيروس في انتشار العدوى وتحولها الى عدوى محلية. اذ أن طريقة ذروة انتشار الفيروس في العراق لا تختلف عن الطريقة ذاتها التي انتشر فيها الفيروس في إيران، ومن المرجح أن يكون الفيروس عدوانياً وقاتلاً على غرار طبيعة الفيروس المنتشر في إيران.
الحالات الوافدة والحاملة للفيروس قد تكون بين الأفراد الذين استمر تدفقهم عبر الحدود الإيرانية والتركية الى العراق في ظل أنشطة تجارية مشروعة وأخرى غير مشروعة كالتهريب وأنشطة أخرى بينها تحركات الجماعات المسلحة. حيث على الأرجح أن كثيرين استغلوا عودة فتح الحدود في فترة انتشار الوباء في العالم وفي إيران تحديداً مع بداية الصيف من أجل استئناف نشاطهم التجاري أو تحركهم العسكري داخل العراق، وهو ما قد يكون من بين أسباب وصول مسار تفشي الفيروس الى حالة الذروة في الأسابيع الأخيرة. ذروة تربك السلطات الصحية العراقية والتي بدورها قد تفقد السيطرة تماماً على احتواء الفيروس، حيث ارتفعت حصيلة الإصابات اليومية الى أكثر من 1500 اصابة، وكذلك الوفيات ارتفعت بنحو متوسط 100 وفاة يومياً منذ النصف الثاني من شهر يونيو.
ومن المثير للاهتمام أن الخلافات السياسية في العراق ونقص التنسيق بين مؤسسات الدولة تقف أيضاً وراء ضعف إدارة احتواء تفشي الوباء، فضلاً عن زيادة رصد تصريحات في الفترة الأخيرة تفيد بتعاون محدود بين السلطات المحلية والسلطات الاتحادية في تطبيق إرشادات الوقاية الصارمة والحجر الصحي الشامل بالإضافة الى رصد نقص الوعي بين المواطنين نظرا لضعف الدعاية الصحية في العراق حول الفيروس وخطورته.
حالات وافدة من تسببت على الأرجح في انفجار العدوى المحلية
يبدو أن خروقات حدثت في على مستوى كسر قيود السفر من والى العراق وخاصة على مستوى حدود العراق مع دولتين جارتين موبوءتين هما إيران وتركيا، ومن المرجح أن حالات وافدة هي من أدت الى انفجار العدوى المحلية.
وكانت السلطات العراقية والإيرانية أغلقت حدودها المشتركة بسبب تفشي COVID-19 منذ فبراير 2020. الا أن بعض السلطات الإيرانية أعادت فتح الحدود لوصول شحنات التصدير إلى دول الجوار مع تخفيف بعض القيود. وكان ماجد رضا الحريري عضو غرفة التجارة الإيرانية قال في تصريحات إعلامية سابقة “إن الحدود الإيرانية العراقية مفتوحة للأعمال التجارية، والصادرات تسير بشكل طبيعي على طول الحدود العراقية”[1].
وما يثير قلقاً بالغاً إمكانية مواجهة العراق المصير نفسه لمسار انتشار فيروس كورونا في إيران التي بدورها ماتزال تكافح من اجل وقف تفشي العدوى منذ 5 أشهر بدون جدوى. وتعتبر العراق والسعودية بعد إيران الأكثر تضرراً من غيرها في دول منطقة الخليج[2] واختلفت درجة استجابة دول المنطقة للوباء. ففي حين تكافح السطات الإيرانية لمنع انهيار منظومتها الصحة والرعاية الاجتماعية بسبب استمرار تفشي الفيروس، تواجه العراق الخطر نفسه بل أكبر من ذلك، أما على الطرف الآخر من الخليج، ساعدت الإمكانيات الصحية الضخمة لدول مجلس التعاون الخليجي على رفع قدرة السلطات الصحية على الاستجابة واستيعاب ذروة الوباء.
حرارة ورطوبة صيف الخليج لا تساعد في وقف انتشار الفيروس
من المرجح أن عامل رطوبة فصل الصيف العالية في دول الخليج[3] لم تساعد على وقف انتشار الفيروس بل تزيد من تحديات تفشي العدوى، وهذا ما اتضح من خلال دراسة مسار ذروة الوباء في منطقة الخليج منذ مارس الماضي. حيث سجلت أغلب دول منطقة الخليج ما عدى إيران ذروة الجائحة مع نهاية فصل الربيع وبداية فصل الصيف.
وبعد مرور ستة أشهر على جائحة COVID-19، ما زال العلماء يبحثون فيما إذا كان الطقس والمناخ يؤثران على فيروس كورونا الجديد. وفي حين صدرت احتمالات تفيد بأن الطقس الأكثر حرارة ورطوبة يحد من انتقال الفيروس، أربكت ذروة الوباء في دول الخليج الأعلى تسجيلاً للحراة في العالم حسابات العلماء، حيث لا يوجد مكان مثالي تتوفر فيه عوامل طبيعية يمكنها التأثير بشكل كبير على تقدم الوباء[4]. وأكدت بدورها منظمة الصحة العالمية أن عوامل الرطوبة والحرارة العالية لن توقف تفشي الفيروس[5].
وقد تصاعدت ذروة انتشار الفيروس مع بداية الصيف في دول الخليج والعراق على عكس توقعات انخفاض مستويات العدوى بسبب عامل حرارة الصيف التي لم يكن لها تثير إيجابي على مستويات انتشار الفيروس الآخذ الذي طور من قدرته على التأقلم مع حرارة دول الخليج وبات فتاكا، حيث زادت عدد الضحايا بشكل مفاجئ خاصة في العراق والسعودية وسلطنة عمان وبقية دول الخليج.
ارتدادات الوباء على العراق تصل الى تأجيل أغلب مشاريع إعادة الاعمار وملايين مهددة بالبقاء في التشرد
في حال استمرت فترة ذروة انتشار العدوى بالوتيرة نفسها في العراق الى نهاية شهر يوليو الجاري، هناك قلق جدي من احتمال انهيار البنية التحية الصحية العراقية بالكامل وتضاعف تأثيراتها على الاقتصاد والمجتمع، حيث قد تخسر أكثر من نصف القوة العاملة النشطة في العراق وظائفها خاصة في القطاع الخاص بسبب توقع ارتدادات كارثية للوباء على قطاع الأعمال والاستثمار، وهو ما قد يمثل عبئاً ثقيلاً على موازنة الدولة التي تواجه مسارات مخيفة لتمويل خطة انقاذ عاجلة لاستيعاب تداعيات الفيروس وتأثيراتها السلبية على القطاع الاقتصادي المعتمد على البترول بالأساس في ظل تراجع كبير للإيرادات بسبب انخفاض أسعار النفط.
ومن غير المستبعد أن تزيد فئة العراقيين المهمشين والمحتاجين للمساعدات العاجلة، مع توقعات بتأجيل أغلب مشاريع إعادة الاعمار على المدى القريب ما يهدد ملايين العراقيين بالبقاء لاجئين ومشردين عن بيوتهم التي هدمتها خاصة الصراعات والحرب الأخيرة ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
وعلى صعيد متصل، من المرجح أن تزيد هشاشة الدولة العراقية ونسبة انكشافها على مخاطر عدم الاستقرار في ظل توقع حجم ضخم جدا من المطالب الاجتماعية والاقتصادية في الفترة المقبلة.
المصدر: مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf)
الهوامش:
[1] Naeimeh Nakhaei, Coronavirus: Is Iran going to reopen travel borders?, Iran news, April 25, 2020/in,
[2] Thamir A.Alandijanyab, Arwa A.FaizoabEsam I.Azharab, Coronavirus disease of 2019 (COVID-19) in the Gulf Cooperation Council (GCC) countries: Current status and management practices, Journal of Infection and Public Health, Volume 13, Issue 6, June 2020, Pages 839-842, https://doi.org/10.1016/j.jiph.2020.05.020Get rights and content Under a Creative Commons license
[3] IBP, Inc, Iraq Country Study Guide Volume 1 Strategic Information and Developments, International Business Publications, 2013, https://books.google.tn/books?id=ZeGZBQAAQBAJ&pg=PA65&lpg=PA65&dq=Summer+humidity+of+the+Gulf+countries&source=bl&ots=1MGi8keWu5&sig=ACfU3U35JYqfIuhQEEHVeBYFboj84aRtMQ&hl=en&sa=X&ved=2ahUKEwjL69WJr7nqAhUEyqQKHbgLAyQ4FBDoATADegQIChAB#v=onepage&q=Summer%20humidity%20of%20the%20Gulf%20countries&f=false
[4] Chelsea Harvey, E&E News, Summer Weather Won’t Save Us from Coronavirus Though hotter, humid weather can dampen transmission, it is not enough to significantly curtail the pandemic, Climatewire
PUBLIC HEALTH, June 19, 2020, https://www.scientificamerican.com/article/summer-weather-wont-save-us-from-coronavirus/
[5] WHO, Coronavirus disease (COVID-19) advice for the public: Mythbusters, https://www.who.int/emergencies/diseases/novel-coronavirus-2019/advice-for-public/myth-busters?gclid=Cj0KCQjwl4v4BRDaARIsAFjATPlEdpTGKrhtESiBv0KSOEmYWdxUexNoDKutVCN5TdJTqjqWdE9MkGYaAuWHEALw_wcB#climate