- استمرار ارتفاع حاد للحرارة منذ العام الماضي يقود الى تغير سريع ودائم للمناخ في الدول العربية
- تحركات حكومية محدودة لاستيعاب التغيرات المناخية
- الحرائق المندلعة في العالم العربي تثبت حاجة ملحة لتحديث معايير السلامة والأمان في المباني والمنشآت والغابات
الكويت 17 أغسطس 2020 (csrgulf): أدى ارتفاع درجات الحرارة الى معدلات قياسية واستثنائية هذا العام الى رصد تطور مناخي حاد مستمر منذ العام الماضي تسبب في نشوب أكبر نسبة من الحرائق في دول كثيرة في العالم طالت مناطق عربية مقارنة مع ربع القرن الماضي.
ويرجح رصد قام به مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf) ارتباط زيادة الحرائق في العالم العربي بارتفاع ذروة درجات الحرارة وتأثيراتها المباشرة في تضرر الغابات والمباني والمنشآت.
وليس مستبعدا أن يكون عامل ارتفاع درجات الحرارة الى مستويات قياسية أدى الى حدوث حرائق ضخمة أبرزها حريق عنبر لتخزين مواد سريعة الاشتعال في مرفأ بيروت والذي أدى الى انفجار ضخم وبمفعول قنبلة نووية والتي ترجح دراسات أن معايير تخزين أي مواد قابلة للاشتعال قد تشوبها بعض الاختلالات في حال التعرض لحرارة عالية، ناهيك عن حريق سوق عجمان في الامارات والذي من المرجح تدخل عامل الحرارة اما في دوافعه الأولى أو في سرعة انتشاره واتساع حجم أضراره.
الا أن المثير للقلق هو توقع كوارث أعنف من انفجار بيروت في حال استمرار ضعف تحرك الحكومات في التعامل مع التغيرات المناخية.

ومن المتوقع أن خطر زيادة الحرائق في تصاعد سنوياً، ما يفرض الحاجة لتدخل حكومي عاجل لتحديث معايير السلامة في المباني والمنشآت آخذة في الاعتبار التغير السريع في حدة ارتفاع الحرارة المتصاعدة سنوياً، فضلاً عن رصد ضعف في سرعة الاستجابة الحكومية في بعض الدول العربية لمواجهة حدة تأثيرات التقلبات المناخية على الصحة الإنسانية والحيوانية والثروات الطبيعية.
ومن المحتمل أن تزيد كلفة الخسائر الطبيعية والبشرية جراء استمرار تصاعد ارتفاع موجة الحرارة سنوياً. ومن غير المستبعد أن تغير التقلبات المناخية الحادة قد تغير معالم طبيعية كثيرة في دول العالم ودول عربية.
وتهدد زيادة الحرارة جفاف التربة والمخزون المائي في دول عربية أبرزها دول الخليج التي تواجه زيادة مقلقة لمخاطر جفاف المسطحات المائية والمياه الجوفية العذبة.
تطور مناخي مقلق والكويت أكثر المتضررين على المدى المتوسط
يشهد العالم العربي تغيرات مناخية حادة لم يشهدها منذ نحو 150 عاماً خاصة على مستوى ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف التي قفزت في بعض الدول من متوسط 38 درجة على غرار تونس والمغرب ولبنان ومصر وسورية لتتخطى عتبة 40 درجة و45 درجة في بعض الأحيان بين النصف الثاني لشهر يوليو ومنتصف شهر أغسطس.
وفي حين بدأ مناخ بعض الدول العربية في شمال افريقيا والشرق الأوسط يقترب من المناخ الخليجي الحار في شهري يوليو واغسطس بالمقارنة مع موجات الحرارة القاسية التي تسجلها أكثر من دولة في السنوات الخمس الأخيرة، تضاعفت مخاطر زيادة سقف ذروة الحرارة في دول خليجية خاصة الكويت والتي سجلت درجات حرارة غير مسبوقة تجاوزت 50 في أكثر من مرة، والمقلق أكثر أن موجات الحر المرتفعة باتت تشمل مدن ذات كثافة سكانية وليست مقتصرة على مناطق نائية أو حدودية وهو ما ينذر بتضاعف المخاطر الصحية جراء ارتفاع الحرارة ما يستوجب جهود مضنية لتعزيز الأمن الصحي تجاه التغيرات المناخية الحادة التي تحدث بوتيرة أسرع من التوقعات الحكومية.
وفي الكويت على سبيل المثال التي سجلت أعلى ذروة حرارة عالمياً وعربياً خلال هذا الصيف عند أكثر من 53 درجة تقريباُ مثلت زيادة الكثافة السكانية ونوعية الأنشطة الاقتصادية بالمقارنة مع جغرافيا الكويت والافراط في استخدام الفرد للطاقة أبرز العوامل الدافعة لزيادة الغازات الدفيئة المسببة لاحتباس الحراري وموجات الحر القاسية.
وعلى صعيد عربي، يعتبر تسجيل متوسط حرارة الى نحو متوسط 45 درجة مئوية تطور مقلق في هذه الدول خاصة في منطقة شمال أفريقيا والمحاذية للبحر المتوسط والمعروفة باعتدال درجات حرارتها. وتودع بذلك عدد من الدول الحرارة المعتدلة في الصيف لتصبح درجات الحرارة متقلبة وارتفاعها قد يكون قياسيا وهو وما يثبت زيادة توسع اثار الاحتباس الحراري على الدول العربية.
وقد اثبت رصد الحرارة في أكثر من دولة عربية اجتياز متوسط الحرارة سقف الذروة المعتاد في هذه الدول لتقترب قليلا من متوسط حرارة منطقة الخليج. في حين تواجه حرارة الصيف في دول الخليج خطر طول فترات الحرارة واجتياز متوسطها عتبة الخمسين درجة خلال السنوات المقبلة وهو تطور مناخي مقلق رصدته دراسات علمية ويشمل مناطق كثيرة في العالم بما في ذلك الدول العربية.
وارتفع متوسط درجة حرارة سطح الأرض والمحيطات العالمية منذ مارس الماضي بنحو 1.16 درجة مئوية فوق متوسط الحرارة المعتادة خلال القرن العشرين وعلى الأرجح أن ذروة حرارة هذا العام يمكن تصنيفها ثاني أعلى درجة سجلت منذ 141 عامًا[1].
ومن المرجح أن تزيد وتيرة الاحتباس الحراري بسرعة أكبر من المتوقع، وفقًا لأبحاث أعدتها جامعتي كوينزلاند وجريفيث. ومن المتوقع أن النمو السكاني والاقتصادي إلى جانب زيادة استخدام الفرد للطاقة تزامنا مع زيادة كبيرة في الطلب العالمي على الطاقة تقف كسبب رئيسي وراء زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المتسبب الأول في ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية.[2]
ويُظهر ارتفاع درجات الحرارة العالمية تحديًا مناخيا هائلاً، حيث كشفت بيانات جديدة صادرة عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) أنه من المرجح أن تكون درجة الحرارة العالمية السنوية أكثر دفئًا بمقدار درجة مئوية واحدة على الأقل من مستويات ما قبل عصر الصناعة. هذا التوقع هو من بين أحدث النتائج الواردة في آخر تحديث مناخي عالمي سنوي من الأمم المتحدة، والذي يظهر أيضًا أن درجة الحرارة قد تتجاوز 1.5 درجة مئوية في عام واحد على الأقل من الآن وحتى عام 2024 وقد يكون هذا العام والذي سبقه الأكثر دفئًا على الإطلاق[3].
غابات ومنشآت عربية مهددة بحرائق أكبر في المستقبل
تسبب ارتفاع متوسط ذروة الحرارة فوق 42 درجة بين منتصف يوليو الى منتصف أغسطس الى تضرر ثروات طبيعية خاصة الغابات والثروة السمكية والحيوانية فضلاً عن تأثر مباشر وغير مباشر على القطاع السياحي والمباني السكنية ومنشئات حيوية خاصة تلك التي تعتمد على موائد كيماوية. وأثر ارتفاع الحرارة أيضاً على زيادة تسارع انتشار العدوى في فصل الصيف أكثر من فصل الربيع.
وقد أدى ارتفاع الحرارة الى مستويات قياسية غير معهودة خاصة في دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط الى نشوب حرائق في مساحات ضخمة في الغابات وبشكل متكرر. وتضررت مئات الهكتارات من الغابات. ومن بين أكبر الحرائق المسجلة عربياً هذا العام حريق هائل في سوق عجمان وحريق سوق شعبية بمنطقة حفر الباطن في السعودية، وحريق ضخم شهدته تونس حيث التهمت 6 حرائق هكتارات من الغابات فضلاً عن بعض المنشآت، وفى يوليو الماضي تم تسجيل 66 حريقا متزامنا في 20 ولاية بالجزائر، ولم تستثني الحرائق المغرب ومصر والكويت.

وعلى صعيد آخر، في دول الخليج أثّر ارتفاع درجات الحرارة على زيادة رصد ظاهرة التصحر وزحف الرمال على حساب الأراضي الزراعية والسكنية. وأكدت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن ارتفاع درجات الحرارة بشكل استثنائي وراء حرائق الغابات القريبة من المحيط، وهو ما يضاعف الحاجة إلى اتخاذ إجراءات مناخية عاجلة من قبل الدول والتزاما أكبر بتحقيق التعهدات الواردة في اتفاقية باريس بشأن المناخ.
ويشير رصد كثير من الأبحاث والأحداث على مدار العامين الأخيرين الى أن وقوف تغير المناخ الذي يرجح أن أهم أسبابه تدخل الإنسان وراء زيادة نسبة الكوارث أبرزها حرائق الغابات، وقد يزيد تسارع التغير المناخي من احتمالية حدوثها مستقبلا اعتمادا على مراجعة الأبحاث حول تغير المناخ العالمي ومخاطر حرائق الغابات.
وبالنظر الى أضخم الحرائق التي حدثت على الاطلاق بالإشارة الى حرائق الغابات الأسترالية تُظهر جميع الدراسات الروابط بين تغير المناخ وزيادة وتيرة الحرائق، حيث أن الفترات التي يكون فيها خطر الحريق مرتفعًا تتسم برصد مزيج من درجات الحرارة المرتفعة والرطوبة المنخفضة وانخفاض هطول الأمطار والرياح العاتية في كثير من الأحيان[4].

وكانت موجات الحر المتزامنة مع رصد الحرائق الأخيرة بداية من غابات سيبيريا التي وصفت بـ”شبه المستحيلة” لتمتد الى مناطق أخرى في العالم ابرزها المناطق عربية هي أبرز مثال على زيادة تضرر الدول العربية بهذه القفزة المهولة في حرارة المناخ الذي يعتقد أن زيادة الأنشطة البشرية وأبرزها الأنشطة الصناعية وتضخم حجم الملوثات أكبر عوامل تدفع الى حدتها.
وفي حين بلغت درجات الحرارة في المنطقة السيبيرية ذروتها عند 38 درجة مئوية وهو رقم قياسي جديد على الأرجح لمنطقة القطب الشمالي بأكملها، فان الأسوأ في بعض المناطق العربية غير مستبعد، حيث قفزت ذروة الحرارة عتبة 40 درجة خلال بداية أغسطس.
وأظهر تحليل جديد[5] أن حرارة سيبيريا الممتدة من يناير إلى يونيو من هذا العام والتي حطمت الأرقام القياسية لدرجات الحرارة وأدت إلى الحرائق الضخمة الملوثة كانت مستحيلة بدون تغير المناخ الذي يسببه الإنسان.
المصدر: مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf)
الهوامش:
[1] March Global Temperature Change, May 2020, https://www.co2.earth/global-warming-update
[2] University of Queensland, World temperature could rise rapidly by 2020, modelling suggests, march 2016, https://phys.org/news/2016-03-world-temperature-rapidly.html
[3] UN News, Rising global temperature shows ‘enormous challenge’ of meeting climate goal, 8 July 2020, https://news.un.org/en/story/2020/07/1067991
[4] University of East Anglia, Climate change increases the risk of wildfires confirms new review, January 14, 2020, https://www.sciencedaily.com/releases/2020/01/200114074046.htm
[5] Daisy Dunne, Siberia’s 2020 heatwave made ‘600 times more likely’ by climate change, World economic forum, Science Writer, Carbon Brief,22 Jul 2020, https://www.weforum.org/agenda/2020/07/siberia-heatwave-forest-fire-climate-change/