24 أغسطس 2020 (csrgulf): من المرجح أن تخلف موجة الاعتقالات لمجموعة من كبار الشخصيات الإدارية والمشاهير في الكويت بتهم فساد وغسيل أموال تأثيرات جوهرية وعميقة ومقلقة على جزء كبير من جيل الشباب الكويتي على المدى المتوسط.
وفي حين أن اعتقال شخصيات مؤثرة ومعروفة في المجتمع خاصة بعض مشاهير التواصل الاجتماعي على خلفية قضايا مرتبطة بتضخم حسابات بعضها البنكية وتربح غير شرعي مرتبط بشبهة غسيل أموال، لاقى استحساناً شعبياً بمبرر تحسن مكافحة الدولة للفساد وعدالة تطبيق القانون على الجميع، الا أن وقعه في المقابل كان بمثابة الصدمة المعنوية على جزء واسع من الشباب والمراهقين المتأثرين بهذه النخبة من المشاهير التي استعانت بها الدولة في وقت من الأوقات كنماذج ناجحة يحتذى بها بهدف التأثير الإيجابي على شريحة الشباب وقيادته لمسار النجاح والنهوض بدوره المستقبلي في المجتمع.
وحسب تحليل بحثي لمركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf) فان النخب الكويتية وخاصة مشاهير التواصل الاجتماعي قد خسرت على الأرجح جزء كبيرا من مصداقيتها في الكويت، وهو ما قد يؤثر على المدى القريب على نسبة متابعتها والتأثر الشعبي بها خاصة بين فئة الشباب.
ويحمل ارتباط “الشخصيات المؤثرة الناجحة مجتمعياً” بشبهات الفساد ارتدادات مستقبلية سلبية قد يتضح مداها خلال السنوات المقبلة، ما يستوجب النظر في إعادة تحديث أسلوب الترويح لمعايير النجاح الوظيفي والمجتمعي. اذ يدفع هذا المنعرج غير المسبوق في مكافحة الفساد ونماذج المشتبه بفسادهم خاصة المشاهير الى زيادة الحاجة الى تعزيز ترويج نماذج لمؤثرين جدد يعكسون ثقافة النزاهة والشفافية خاصة فيما يتعلق بمسار تكوين الثروات على مستوى الوظيفة أو المشاريع الخاصة حتى يقتدي بهم الجيل المستقبلي من الشباب، وهو ما يستوجب أيضاً تعزيز ثقافة المحاسبة والرقابة الذاتية في المدارس والجامعات وعلى منصات التواصل الاجتماعي. الا أن هذا المسار قد يتطلب سنوات طويلة لاسترجاع الشباب الثقة في النخب الجديدة. حيث أن محاسبة الفاسدين قد لا تكفي لاجتثاث ثقافة استسهال الفساد والتكتم عليه.
وتبرز تحديات كبرى على مستوى اهتزاز الثقة بالنخب الكويتية المعروفة وتشوه ثقافة النجاح الوظيفي في الكويت التي قد يعتبرها البعض أنها مقترنة بالفساد، وهو ما يستوجب بشكل عاجل تدخل المجتمع المدني لاستعادة ثقة الشباب في نخبه المؤثرة والترويج لمؤثرين ملهمين وبعيدين عن شبهات الفساد، فضلاً عن الحاجة لاستراتيجية اعلامية وطنية بمعايير جديدة للتأثير الإيجابي في الشباب وتمكينه والنهوض بدوره المجتمعي والاقتصادي والسياسي واسترجاع ثقته في الدولة والنخب.
وفي هذا الصدد، برزت أولوية استعادة الثقة الشعبية في النخب السياسية والإدارية والإعلامية والاجتماعية، حيث بات عنوان المرحلة المقبلة “تعزيز أولوية اجتثاث ثقافة استسهال الفساد والتستر عليه وترسيخه في الوعي الفردي والمجتمعي”. الى ذلك تبرز الحاجة الى تقديم منوال جديد للنجاح قائم على العمل والمثابرة والابتكار وهو ما يدعو الى تغيير في قيم العمل وشروط التوظيف والرقابة على الأداء.
وفي هذا الصدد قد يبدو مجلس الأمة الكويتي بحاجة في المرحلة المقبلة للقيام بإصلاح تشريعي عاجل لمنظومة الإدارة والعمل والترقيات فضلاً عن استحداث اليات جدية لتعزيز الرقابة على صندوق المشروعات الصغيرة والمتوسطة والنهوض أكثر بمشروعات الشباب وتأهيلها ومراقبتها وتعزيز النسبة المبتكرة منها.
الا أن فشل بعض المشاريع على غرار المنصات الإلكترونية في الكويت وارتباط بعضها أخيرا بالفساد وغسيل الأموال قد يؤثر سلبا على زيادة التقدم بأفكار مشاريع جديدة وهو ما يتطلب زيادة الدعم والتأهيل الفوري قبل تسجيل تراجع كبير في الاقبال على المشاريع الصغرى والمتوسطة.
ومن المرجح أن الجيل الجديد من الكويتيين قد تأثر بأسلوب حياة وتفكير نخبة من المشاهير اثرت على طريقة رؤيته للحياة وصنع المستقبل. وباتت هذه النخبة محكومة بشبهات فساد واقترن نجاح بعضها حسب رصد تفاعل جزء من المغردين مع حملة مكافحة الفساد بشبهات غسيل أموال وهو ما يؤثر سلباً على دليل النجاح مستقبلا خاصة لدى جيل المراهقين المتأثرين بهؤلاء المشاهير الذي تم الترويج لهم كنماذج نجاح بالنسبة لمجتمع الشباب.
ويمثل انعدام الثقة في النخبة المؤثرة أمر بالغ الخطورة ولديه ارتدادات سلبية قد تجعل جزء واسعاً من الشباب لا يثق بنخبه السياسية أو الاجتماعية والإعلامية. واسترجاع مثل هذه الثقة قد يتطلب تغييرا جذريا خاصة على مستوى عمل الإدارة والرقابة والمحاسبة.
وبدل استسهال مصدر الدخل بات على المجتمع المدني قبل الدولة الترويج لمنوال سليم لثقافة العمل والنجاح المجتمعي لا تعتمد على الوظيفة او الاقتراض بل على الابتكار والتنافس من اجل صنع الثروات الفردية.
المصدر: مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf)