الكويت 29 سبتمبر 2020 (csrgulf): أصاب وباء فيروس كورونا covid 19 أكثر من مليون ونصف عربي وأدى الى وفاة نحو أكثر من 28.500 ألف بنهاية سبتمبر[1]. ومن المرجح إذا واصلت سرعة وتيرة التفشي الحالية للفيروس في العالم العربي مع صعود مخاطر بلوغ بعض الدول المتضررة حالات الذروة خاصة في منطقة المغرب العربي وبعض دول الشرق الأوسط والخليج، أن تتخطى حصيلة الإصابات حاجز المليونين مصاب وأكثر من 35 ألف وفاة مع نهاية العام الجاري، أي خلال الأشهر الثلاثة المقبلة فقط، مع نظرة مقلقة حول امكانية تضخم حصيلة المصابين العرب في حال تجدد موجات العدوى في دول أخرى استطاعت السيطرة على الوباء أو تجاوزت فترة الذروة وعادت للحياة الطبيعية خاصة دول الخليج. الا أن الخطر أكبر يتربص بالدول العربية الفقيرة وغير المستقرة خاصة اليمن والعراق ولبنان وسوريا فضلاً عن مخاوف من فقدان السيطرة على الوباء في ليبيا وتونس.
وحسب توقعات إدارة المخاطر في مركز دراسات الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf) فانه بالنظر للمخاطر المحتملة فان أي اجراءات تقود لعودة حظر التجوال والإغلاق خاصة في الدول العربية محدودة الدخل والفقيرة قد تتسبب في مضاعفة معدلات الفقر والبطالة بنسب قد تفوق توقعات الحكومات نفسها.
وقد تسارعت وتيرة العدوى في أكثر من نصف الدول العربية بداية من النصف الثاني لشهر يوليو وشهر أغسطس بمعدل 5 أضعاف مقارنة بشهر يونيو والنصف الأول لشهر يوليو. وهذا التضاعف في ذروة وتيرة انتشار العدوى قد ترجع أحد أسبابه لقرارات فتح الحدود في أكثر من دولة عربية. ولعلّ المغرب وتونس أكثر البلدان المتضررة من ذلك حيث شهدت ذروة قياسية على إثر قرار فتح الحدود.
اذ برزت تونس بين أكثر الدول التي سجلت قفزة في عدد الإصابات في فترة وجيزة، ويعود ذلك حسب بعض التقارير التونسية الى آثار فتح الحدود وتسبب ذلك في زيادة انتشار العدوى المحلية. وتكافح تونس اليوم من أجل كبح جماح العدوى ومنع الوصول الى مرحلة تصنيفها كبؤرة وبائية.
وكانت تونس تسجل الى غاية 12 يوليو الماضي 1260 حالة، سرعان ما تضاعفت أكثر من 12 ضعفاً لتبلغ اليوم أكثر من نحو 16 ألف حالة، كما قفز عدد الوفيات من 50 حالة آنذاك الى 214 وفاة خلال نحو شهرين فقط. ويربط بعض المتخصصين بلوغ تونس فترة الذروة بقرارات فتح الحدود في يونيو الماضي فضلاً عن محدودية التعايش المجتمعي مع الفيروس وقلة تدابير الحيطة، كما ترجح تقارير دولية أن انتشار الفيروس في بعض الدول على غرار تونس والتي ظلت الحالة الوبائية فيها مستقرة لفترة طويلة يعود الى تطور طبيعي للوباء قد تكون التغيرات المناخية أيضا من مسببات زيادة انتشار الفيروس.
بدورها شهدت ليبيا منعرجاً خطيراً في ارتفاع عدد الإصابات والوفيات. حيث قفز عدد الإصابات من 1500 في منتصف يوليو الماضي الى نحو 34 ألف مصاب بنهاية سبتمبر، ومن 42 وفاة الى 527 وفاة. وهذا التطور يعكس تسارعا كبيرا لتفشي العدوى وماتزال الاحتمالات مقبلة على الأسوأ خاصة في ظل ظروف عدم الاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي.
وعربياً، وليس على مستوى منطقة المغرب العربي فقط، يعد المغرب أكبر نموذج على تسارع وتيرة الذروة الى درجة تضاعفت فيها حصيلة الوفيات أكثر من عشر مرات خلال فترة شهر ونصف فقط. حيث بلغ عدد المصابين بالوباء في المملكة المغربية حتى منتصف شهر يوليو 14 ألفا و700 شخص توفي منهم 242 الا أن اليوم قفز العدد بشكل كارثي الى تسجيل 120 ألف مصاب، و2113 وفاة لحدود 29 سبتمبر.
وفي لبنان قفز معدل انتشار الفيروس من 4300 حالة في نهاية يوليو الى أكثر من 37 ألف إصابة الى 29 سبتمبر 2020. وتدفع أوضاع عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي أيضا في لبنان لتوقع الأسوأ اذا تداخلت عوامل المناخ مع محفزات انتشار العدوى وهو ما قد ينذر بمزيد القلق حول تداعيات التطور الوبائي في لبنان خاصة في ظل الفراغ السياسي وتعثر العمل الحكومي.
احتمالات تفشي العدوى في اليمن وسورية قد تنذر بكارثة انسانية
رغم الأرقام الحكومية المعلنة وغير الموثوقة عن محدودية الإصابات في كل من اليمن سوريا، تشير التوقعات الى مزيد الاهتمام بتداعيات أي تطور وبائي في هذين البلدين.
في اليمن يبقى خطر زيادة تفشي الفيروس قائماً وفرص الانفجار الوبائي ممكنة وقد تكون كارثية، حيث يسجل اليمن أكبر نسبة وفيات مقارنة بعدد الإصابات عالمياً، اذ يموت أكثر من شخص من كل أربعة مصابين بالنظر الى انهيار المنظومة الصحية جراء الحرب. وقد تتسبب أي زيادة مرتفعة لعدوى كورونا في اليمن الى تسجيل البلاد أكبر ظاهرة مجاعة في تاريخها المعاصر، مع توقع أن يصبح أكثر من نصف اليمنيين ضمن قائمة المنكوبين جراء أزمات مزدوجة يفاقمها الوباء والصراع المسلح ونقص المرافق وانهيار المنظومة الصحية.

أما في سوريا، فعلى الرغم من اعلان السلطات الصحية أرقام تشير الى محدودية انتشار الفيروس، الا أن ذلك قد لا ينفي احتمال تفشي العدوى خلال الأشهر المقبلة، حيث قد تفقد السلطات السيطرة على رقابة الانتشار الفيروسي في ظل حالة عدم الاستقرار وتهالك البنية التحتية الصحية. ويشبه الوضع الوبائي في سوريا وضع العراق في بداية مواجهته للوباء، حيث حاول السيطرة الى غاية الانفجار الوبائي الذي أودى اليوم بحياة نحو أكثر من 9 ألاف عراقي وتسجيل أكثر من 350 ألف إصابة في فترة وجيزة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة فقط.
ويعد العراق أكبر مركز وبائي اليوم في العالم العربي وأكثر المتضررين جراء الانفجار الفيروسي على مستوى الوفيات والاصابات. لكن ما قد يمثل مؤشر قلق هو استشراف تداعيات خطيرة على الاستقرار الاجتماعي السياسي حال تعافي العراق من أزمة الجائحة. وقد يتسبب كورونا في مزيد تشريد ألاف الأسر الباحثة عن مورد رزق بعد دخول عشرات ألاف من العراقيين مرحلة البطالة بسبب موجات التسريح من الوظائف وتوقف أنشطة المؤسسات التي يعمل فيها ألاف العراقيين بسبب التأثر بقيود جائحة كورونا وقرارات الاغلاق الطويلة.
أما مصر التي عرفت فترة ذروة انتشار العدوى بين شهري يونيو ويوليو والتي تعرف اليوم استقرارا في احصاء الإصابات الجديدة منذ نحو أكثر من شهر لتبلغ نحو103 ألاف بنهاية سبتمبر مع حصيلة وفيات مرتفعة عند 5900 وفاة، فهي تكافح من أجل ضمان استقرار التطور الوبائي ومنع حدوث احتمالات الانفجار الفيروسي. لكن رغم الاستقرار الوبائي الحذر في مصر تبقى هناك مخاوف موجة ثانية للعدوى خلال الخريف والشتاء.
في الأثناء، لا تبدو دول الخليج التي سيطرت مغلبها على مرحلة الذروة التي سجلت أغلب مراحلها في الصيف الماضي آمنة كلياً من خطر تجدد ذروة العدوى، حيث بات من المهم مراجعة مراحل العودة الكلية للحياة الطبيعية في ظل وجود عوامل مناخية مؤثرة على انتقال الفيروس خاصة في فصلي الخريف والشتاء، وهذه المخاوف مبررة في ظل عدم ظهور لقاح فعّال للفيروس والذي على الأرجح ان يرى النور بداية العام المقبل. وبعودة الحياة لطبيعتها في أغلب دول مجلس التعاون الخليجي واستئناف أغلب الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والخدمية ورفع قيود الحركة، تبقى تحديات ضخمة جاثمة تتمثل في احتمالات تجدد النشاط الفيروسي بأشكال مختلفة. لذلك فان القيود الصحية الصارمة التي تفرضها السلطات ضرورية وحيوية من اجل عدم السيطرة على أي تطور وبائي مستقبلي.
المصدر: مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf)
هوامش: [1] Coronavirus world Update, https://www.worldometers.info/coronavirus/?