الكويت 17 أكتوبر 2020 (csrgulf): حل السعوديون في المرتبة الخامسة في تصنيف أكثر الشعوب العربية تفاؤلاً لعام 2020 ، فعلى الرغم من كبر حجم المملكة وما يوازيها من ضخامة التحديات بالنظر الى حجمها الديمغرافي، الا أن المملكة يبدو أنها تسير في الاتجاه الصحيح على مستوى اتخاذ قرارات فاعلة في دعم نهضة المملكة وتحويل اقتصادها تدريجياً الى منصة صناعات متطورة وتصديرية فضلاً عن دعم انفتاح المملكة على الحداثة والتطور لمؤشر التفاؤل بين الشباب. بالإضافة الى السعي لإنجاح الرهان على بناء مشاريع ضخمة وعملاقة على غرار مدينة “نيوم” المستقبلية التي ستستقطب التكنولوجيا المتقدمة، وهو تحد يعزز التفاؤل بين أجيال السعودية القادمة، ينضاف الى ذلك تحسن ترتيب السعودية في مؤشرات كثيرة أغلبها مرتبط بتحسن التنمية البشرية وجودة التعليم والمؤسسات التعليمية، وهو ما يساعد على دعم جيل متعلم وذوي كفاءات عالية قد يسهم في تطوير المملكة.
الى ذلك اهتمت السعودية بتحسين جودة حياة المواطن بالاستثمار في الأنشطة الثقافية والترفيهية وتحسين الموارد الأساسية الكفيلة ببيئة مثالية لأجيال الغد خاصة على مستوى تطوير الثروات الزراعية والمصادر المائية والتي يمثل خطر تقهقرها سنوياً أهم تحديات القرن الحالي أمام دول مجلس التعاون الخليجي على المدى المتوسط لتماثل نفس الخصائص البيئة ولو بشكل متفاوت.
على صعيد آخر، يدعم تعزز القدرة الإنتاجية النفطية بالتوازي مع تحسن متوقع لأسعار النفط على المدى القرب والمتوسط مستقبل إيرادات الدولة التي تسعى بدورها لزيادة تنويعها، وهو ما قد يدعم زيادة مصادر ثروات أجيال المستقبل. كما أن احتياطات المملكة المالية المودعة في صناديق سيادية مخصصة لأجيال المستقبل تعزز من النظرة المتفائلة حول موارد تمويل التنمية المستقبلية.
ويدعم تعزز القدرات الدفاعية للمملكة بدوره مؤشر التفاؤل خاصة بعد خوض القوات السعودية تجربة المواجهة المباشرة في الصراع اليمني وهو مثل مرحلة اختبار لرفع قدرات المملكة الدفاعية من أجل صد التهديدات الخارجية، وهو ما يقود في النهاية لرفع مستوى الثقة في الاستقرار السعودي. لكن تبقى تحديات النسب المقلقة للفقر والبطالة من تؤثر سلباً على محفزات التفاؤل على المدى القريب.
ويقدم الإصدار السنوي الثاني لمركز الخليج العربي للدراسات والبحوث دارسة تضمنت تصنيفاً عربياً جديداً يعرف بـCSRGULG Optimism Index لمحفزات التفاؤل على المديين القريب والمتوسط بين العرب وخاصة بين الشباب بالاعتماد على قياس مؤشرات مختلفة. وحسب النتائج التي توصلت اليها الدارسة، فان شريحة كبرى من المجتمعات العربية باتت لا تعتمد على احصائيات ووعود ومؤشرات حكومية فقط فيما يتعلق بالنظرة المستقبلية حول اتجاهات التنمية في البلاد، حيث تراجعت الثقة في السياسيين في عدد من الدول خاصة تلك التي تتعثر تنميتها باستمرار دون تحقيق نتائج تعود بالنفع المباشر على المواطن. وباتت شريحة كبرى استفادت من زيادة انتشار الهواتف الذكية والربط بالإنترنت تُقيّم وفق مقاييسها الخاصة النظرة المستقبلية للازدهار بدولها بفضل زيادة النفاذ الى المعلومات من مصادر مختلفة أكثرها غير حكومية ووفق محددات أبرزها محفزات التفاؤل أو التشاؤم.
وأخذت الدراسة بعين الاعتبار تأثير دائرة تداعيات جائحة كورونا الآخذة في الاتساع يوماً بعد يوم على محفزات التفاؤل إزاء النظرة لمستقبل الحياة في بعض الدول. وعلى أساس هذه النظرة الشاملة التي تتضمن مؤشرات مختلفة لقياسها، يزيد عدد المتفائلين أو ينقص عدد المتشائمين.
الهدف الرئيسي من مؤشر التفاؤل (CSRGULF OPTIMISM INDEX) أو اختصاراً (COI) هو مساعدة صناع القرار والقراء على فهم أن التفاؤل كمؤشر يمكن قياسه عبر مستويات مختلفة في الدول العربية كقياس رفاهية الإنسان ومستقبل الازدهار بالنظر الى معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي ومؤشرات التنمية البشرية. ويأخذ المؤشر في الاعتبار التغير في نصيب الفرد من الدخل وبالتالي محددات ظروف المعيشة كالفقر والبطالة إلى جانب المؤشرات اقتصادية وغير اقتصادية أخرى أبرزها نفسية. تنقسم المؤشرات الى 7 مؤشرات وهي الهجرة، اللجوء، البطالة، نصيب الفرد من الدخل، الفقر، الأمان وتوقع نسبة النمو بالإضافة الى مؤشرات أخرى ضمنية كمدركات الفساد والاكتئاب وأمل الحياة والابتكار والاستقرار السياسي والأمني أي عدم التعرض لتهديدات على المدى القريب والمتوسط بالإضافة الى مؤشر مهم جدا يتمثل في قيسا التبابين في الثروات والموارد المتاحة في الدول العربية والتي تمثل محركا للتنمية الباعثة على التفاؤل في حال الحكم الرشيد التي تتطلع اليه الشعوب العربية.
ومن خلال نتائج الدراسة تم العثور على سمات مشتركة معينة بين أفضل الدول التي تتمتع بمحفزات تفاؤل شعوبها. حيث يتمتع السواد الأعظم من سكان هذه الدول المحظوظة بإمكانية الوصول إلى الموارد الأساسية وفرص العيش الكريم مع زيادة ملحوظة في الناتج المحلي الإجمالي والاستثمارات الهادفة لتحسين جودة حياة احيال المستقبل مع تحسن البنى التحتية التي تحث بقوة على الابتكار ومعظم هذه المؤشرات مرتبطة باستمرار الاستقرار السياسي.
وفي المقابل، هناك سمات مشتركة أيضا بين البلدان الأقل توفيرا لمحفزات التفاؤل. اذ أن معظمها لديها معدلات عالية من الهجرة إلى الخارج، وانخفاض في الابتكار، وانخفاض إمكانية الوصول إلى الموارد الحيوية، وتذبذب نسبيًا في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.
وقد تم ملاحظة زيادة تدفقات المهاجرين غير الشرعيين من دول عربية في أوج انتشار الوباء ما يعكس عدم اكتراث جزء كبير من العرب خاصة فئة الشباب بمخاطر الوباء في ظل تردي الأوضاع المعيشية وفقدان الأمل في تغيير ايجابي وسريع يحسن من حياتهم أو يفتح أفقاً لتغيير إيجابي، وتم رصد زيادة تدفقات المهاجرين غير الشرعيين خاصة من تونس وليبيا والمغرب والجزائر ومصر ولبنان وسوريا واليمن والسودان.
وتجدر الإشارة إلى أنه من الصعب احصاء عدد العرب في الخارج بعد وجود ملايين من الشتات العربي لم يتم احصائهم رسميا في تقديرات الجاليات بسبب طريقة قدومهم واقامتهم غير الشرعية في دول أجنبية وهو ما يزيد من تعميق أزمة المهاجرين ويضطر الحكومات الى الإسراع بمعالجة أسباب الهجرة غير النظامية. فعلى سبيل المثال، لا تستطيع كل من تونس ومصر والمغرب والجزائر إحصاء عدد جالياتها في الخارج بشكل دقيق حيث يوجد ملايين غير مدرجين في الإحصاءات الرسمية للجاليات لكونهم مقيمون بصفة غير قانونية.
وتباين ترتيب شعوب منطقة المغرب العربي والشرق الأوسط حسب مؤشرات كثيرة، في حين تصدر أغلب الخليجيين مؤشر التفاؤل عربياً على المديين القريب والمتوسط، الا أن تحديات التغيرات المناخية وتداعياتها القاسية على دول الخليج قد تحد من نظرة التفاؤل على المدى البعيد ان لم تسارع حكوماتها في التأقلم والاستجابة لمتطلبات تغيرات المناخ التي تحدث بوتيرة أسرع من التوقعات الحكومية، وهو ما قد يمثل احدى أهم المخاطر المستقبلية أمام أجيال المستقبل.
المصدر: الاصدار السنوي الثاني لمركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (CSRGULF)، مؤشر التفاؤل (CSRGULF OPTIMISM INDEX) أو اختصاراً (COI)