الكويت 17 أكتوبر 2020 (csrgulf): تأخر ترتيب المغاربة (شعوب منطقة المغرب المعربي) في مؤشر التفاؤل في 2020 بسبب تراجع مؤشرات الازدهار وتعثر التنمية في دولهم في ظل تداعيات جائحة كورونا التي دفعت مؤشرات البطالة والفقر الى الارتفاع ما حفز اقبال نسبة كبيرة من الشباب على الهجرة السرية أو غير النظامية الى القارة الأوروربة وتحديدا نحو الوجهة الايطالية والاسبانية المطلتين على بلدان المغرب العربي.
وحلّ الجزائريون في المرتبة العاشرة في تصنيف أكثر الشعوب العربية تفاؤلا في 2020، ويدعم هذا الترتيب احتمالات تعزز إيرادات الجزائر النفطية بعد توقعات تحسن أسعار الطاقة على المدى المتوسط، حيث أن تحسن موارد الدولة يسهم في رفع حجم الإنفاق على الخدمات والمشاريع التي تفتح فرص العمل أمام المواطنين. الى ذلك فان التغيير السياسي الذي حدث في الجزائر باختيار رئيس للبلاد واستمرار الحراك الشبابي الضاغط والمطالب بالإصلاح ومكافحة الفساد يعتبر دليلا على زيادة الوعي الشعبي باتجاهات ومتطلبات النمو وهو في حد ذاته عامل يدعم تعزز النظرة المتفائلة حول احتمال تحسن جودة الحياة في الجزائر.
الا أن هذا لا يمنع رصد زيادة ظاهرة الهجرة غير الشرعية بين الجزائريين نحو أوروبا وتحمّل عبء المخاطر من أجل البحث عن حياة أفضل حيث رفع متظاهرون جزائريون في مناسبات عدة ان بيئة الجزائر باتت طاردة وهو ما أثر سلباً على مؤشر التفاؤل، الى ذلك عمقت تداعيات جائحة كورونا من أزمة الجزائر المالية والاجتماعية، وأعتبر اغلاق البلاد مؤشراً مقلقاً يحد من سرعة التعافي. رغم ذلك فالجزائر تصنف بين أكثر الدول التي قد تحمل افاق نمو إيجابية في 2021 فضلاً عن محدودية نسبة الفقراء بالمقارنة مع دول عربية مجاورة.
في المرتبة الحادي عشرة حلّ المغربيون. ويدعم مؤشر التفاؤل في المغرب وجود رغبة ملكية في تحسين أوضاع المعيشية للمواطنين حيث مثلت الإصلاحات الهادفة لتحفيز أسباب تحسين ظروف الحياة للمواطن المغربي أهم أولويات الحكومة. وتنعم المغرب باستقرار هادئ يجعلها بين أكثر الدول العربية استقطاباً للثروات وصنعاً لإيرادات تشغيلية عبر تحفيز الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وهو ما أسهم في زيادة حداثة المملكة لترتفع نسبة خدماتها ومنتجاتها الحائزة على مواصفات جودة عالمية الأمر الذي انعكس إيجابا ولو بشكل محدود على سوق العمل وتعزز استقطاب الموظفين الموهوبين. لكن تبقى الجهود محدودة لحل قضايا متراكمة أبرزها متعلق بتراجع مستمر للقدرة الشرائية للمواطن المغربي مع تنامي ظاهرة الفقر واستمرار شبح بطالة الشباب الذي يدفع بالكثيرين منهم الى الاقبال بشكل مستمر على الهجرة السرية أو غير الشرعية نحو أوروبا.
وتأخر التونسيون الى المرتبة الثالثة عشر، وهذا التأخر في مؤشر التفاؤل تدعمه أسباب مختلفة بعضها جديد وبعضها الآخر مزمن. فتأخر تحقق التوافق السياسي الذي يؤثر سلباً على عدم الاستقرار المستمر في الحكومات منذ ثورة الياسمين في 2011 خلق أجواء من الإحباط والتشاؤم بين التونسيين وخاصة الشباب. فقد علق التونسيون آمالا كثيرة على تغيير النظام السياسي برمته منذ نحو عشر سنوات، لكن وان نجح الامر ظاهرياً، الا أنه يبدو أن المؤشرات السلبية المحدّة من التفاؤل في ازدياد. وكان التغيير الذي ينشده التونسيون جراء انتفاضة شعبية فضلاً عن الانتقال الديمقراطي بمثابة دعامتين مهمتين لبعث التفاؤل حول النظرة المستقبلية للنمو الازدهار. الا أن هذين العاملين تعتبرهما نسبة من التونسيين انهما سببين مباشرين في تردي الأوضاع المعيشية اليوم. اذ يستمر تسجيل زيادة معدلات البطالة والفقر بشكل متفاقم مع رصد زيادة التهميش التي تدفع الى زيادة تسجيل ظواهر سلبية كردة فعل غاضبة على فشل الحكومات المتعاقبة في الاستجابة لتطلعات التونسيين خاصة الشباب. وكنتيجة حتمية لتراجع مؤشر التفاؤل نمت ظاهرة الهجرة غير الشرعية بدافع يأس البعض من التغيير الإيجابي ترافق مع زيادة نمو تحديات الجريمة حالها كحال بقية دول المغرب العربي والشرق الأوسط. كما شهدت تونس تداخل عوامل كثيرة بين الإيجابية ظاهرياً والسلبية بالنظر لنتائج بعض السياسات الخاطئة التي ميزت المرحلة الانتقالية الأخيرة.
وعمقت نتائج الحكومات المتعاقبة على تونس من خيبة أمل بعض التونسيين الذين أصبحوا لا يكترثون لأهمية التغيير وممارسة الديمقراطية والحريات بالنظر الى تردي أوضاعهم المعيشية، اذ تعاني تونس في الوقت نفسه من مدركات الفساد، وهو ما يجعلها في مواجهة حزمة من الإصلاحات العاجلة التي ينتظرها الشعب وخاصة على مستوى زيادة فرص العمل واستقطاب الشباب المهمش الذي خيّر جزء كبير منه الهجرة الجماعية الى الخارج وأكثر طرق الهجرة المعتمدة الهجرة السرية “الحرقة”. ولعلّ الزيادة الضخمة وغير المسبوقة لأعداد المهاجرين السريين من تونس الى إيطاليا منذ الصيف الماضي تبرر حالة اليأس التي يمر بها جزء من الشباب التونسي.
على صعيد متصل، لم يعد كثير من التونسيين ينتظر حدوث تغير مفاجئ قد يحفز التفاؤل لديهم بعد النتائج الهزيلة التي حققتها النخبة السياسية الجديدة بعد انتخابات 2019. اذ تكافح الحكومة من اجل التعافي بأقل الأضرار من أزمة تداعيات كورونا ما التي قد تعمّق من الركود الاقتصادي وتزيد من مؤشرات البطالة في ظل شح الموارد. فعلى عكس دول نفطية تراهن على تعزز أسعار النفط من أجل دعم الإيرادات، تستمر تونس في المراهنة على الصادرات والاستثمارات الأجنبية غير المستقرة من أجل دعم النمو. من جهة أخرى لم يعد بعض التونسيين يثقون في وعود السياسيين بالتغيير الإيجابي، فليس هناك ما يدعم تحقق هذه الوعود في الواقع على المدى القريب والمتوسط. الا أن تعزز الممارسة الديمقراطية والحريات والحقوق على خلاف دول عربية كثيرة هي مكتسبات ثمينة قد تمثل الأمل الوحيد الذي يعلق عليه بعض التونسيين الآمال في وجود نخبة ذات كفاءة قد تعزز من فرص النمو وتدفع بالبلاد الى التقدم.
ويقدم الإصدار السنوي الثاني لمركز الخليج العربي للدراسات والبحوث دارسة تضمنت تصنيفاً عربياً جديداً يعرف بـCSRGULG Optimism Index لمحفزات التفاؤل على المديين القريب والمتوسط بين العرب وخاصة بين الشباب بالاعتماد على قياس مؤشرات مختلفة. وحسب النتائج التي توصلت اليها الدارسة، فان شريحة كبرى من المجتمعات العربية باتت لا تعتمد على احصائيات ووعود ومؤشرات حكومية فقط فيما يتعلق بالنظرة المستقبلية حول اتجاهات التنمية في البلاد، حيث تراجعت الثقة في السياسيين في عدد من الدول خاصة تلك التي تتعثر تنميتها باستمرار دون تحقيق نتائج تعود بالنفع المباشر على المواطن. وباتت شريحة كبرى استفادت من زيادة انتشار الهواتف الذكية والربط بالإنترنت تُقيّم وفق مقاييسها الخاصة النظرة المستقبلية للازدهار بدولها بفضل زيادة النفاذ الى المعلومات من مصادر مختلفة أكثرها غير حكومية ووفق محددات أبرزها محفزات التفاؤل أو التشاؤم.
وأخذت الدراسة بعين الاعتبار تأثير دائرة تداعيات جائحة كورونا الآخذة في الاتساع يوماً بعد يوم على محفزات التفاؤل إزاء النظرة لمستقبل الحياة في بعض الدول. وعلى أساس هذه النظرة الشاملة التي تتضمن مؤشرات مختلفة لقياسها، يزيد عدد المتفائلين أو ينقص عدد المتشائمين.
الهدف الرئيسي من مؤشر التفاؤل (CSRGULF OPTIMISM INDEX) أو اختصاراً (COI) هو مساعدة صناع القرار والقراء على فهم أن التفاؤل كمؤشر يمكن قياسه عبر مستويات مختلفة في الدول العربية كقياس رفاهية الإنسان ومستقبل الازدهار بالنظر الى معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي ومؤشرات التنمية البشرية. ويأخذ المؤشر في الاعتبار التغير في نصيب الفرد من الدخل وبالتالي محددات ظروف المعيشة كالفقر والبطالة إلى جانب المؤشرات اقتصادية وغير اقتصادية أخرى أبرزها نفسية. تنقسم المؤشرات الى 7 مؤشرات وهي الهجرة، اللجوء، البطالة، نصيب الفرد من الدخل، الفقر، الأمان وتوقع نسبة النمو بالإضافة الى مؤشرات أخرى ضمنية كمدركات الفساد والاكتئاب وأمل الحياة والابتكار والاستقرار السياسي والأمني أي عدم التعرض لتهديدات على المدى القريب والمتوسط بالإضافة الى مؤشر مهم جدا يتمثل في قيسا التبابين في الثروات والموارد المتاحة في الدول العربية والتي تمثل محركا للتنمية الباعثة على التفاؤل في حال الحكم الرشيد التي تتطلع اليه الشعوب العربية.
ومن خلال نتائج الدراسة تم العثور على سمات مشتركة معينة بين أفضل الدول التي تتمتع بمحفزات تفاؤل شعوبها. حيث يتمتع السواد الأعظم من سكان هذه الدول المحظوظة بإمكانية الوصول إلى الموارد الأساسية وفرص العيش الكريم مع زيادة ملحوظة في الناتج المحلي الإجمالي والاستثمارات الهادفة لتحسين جودة حياة احيال المستقبل مع تحسن البنى التحتية التي تحث بقوة على الابتكار ومعظم هذه المؤشرات مرتبطة باستمرار الاستقرار السياسي.
وفي المقابل، هناك سمات مشتركة أيضا بين البلدان الأقل توفيرا لمحفزات التفاؤل. اذ أن معظمها لديها معدلات عالية من الهجرة إلى الخارج، وانخفاض في الابتكار، وانخفاض إمكانية الوصول إلى الموارد الحيوية، وتذبذب نسبيًا في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.
وقد تم ملاحظة زيادة تدفقات المهاجرين غير الشرعيين من دول عربية في أوج انتشار الوباء ما يعكس عدم اكتراث جزء كبير من العرب خاصة فئة الشباب بمخاطر الوباء في ظل تردي الأوضاع المعيشية وفقدان الأمل في تغيير ايجابي وسريع يحسن من حياتهم أو يفتح أفقاً لتغيير إيجابي، وتم رصد زيادة تدفقات المهاجرين غير الشرعيين خاصة من تونس وليبيا والمغرب والجزائر ومصر ولبنان وسوريا واليمن والسودان.
وتجدر الإشارة إلى أنه من الصعب احصاء عدد العرب في الخارج بعد وجود ملايين من الشتات العربي لم يتم احصائهم رسميا في تقديرات الجاليات بسبب طريقة قدومهم واقامتهم غير الشرعية في دول أجنبية وهو ما يزيد من تعميق أزمة المهاجرين ويضطر الحكومات الى الإسراع بمعالجة أسباب الهجرة غير النظامية. فعلى سبيل المثال، لا تستطيع كل من تونس ومصر والمغرب والجزائر إحصاء عدد جالياتها في الخارج بشكل دقيق حيث يوجد ملايين غير مدرجين في الإحصاءات الرسمية للجاليات لكونهم مقيمون بصفة غير قانونية.
وتباين ترتيب شعوب منطقة المغرب العربي والشرق الأوسط حسب مؤشرات كثيرة، في حين تصدر أغلب الخليجيين مؤشر التفاؤل عربياً على المديين القريب والمتوسط، الا أن تحديات التغيرات المناخية وتداعياتها القاسية على دول الخليج قد تحد من نظرة التفاؤل على المدى البعيد ان لم تسارع حكوماتها في التأقلم والاستجابة لمتطلبات تغيرات المناخ التي تحدث بوتيرة أسرع من التوقعات الحكومية، وهو ما قد يمثل احدى أهم المخاطر المستقبلية أمام أجيال المستقبل.
المصدر: الاصدار السنوي الثاني لمركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (CSRGULF)، مؤشر التفاؤل (CSRGULF OPTIMISM INDEX) أو اختصاراً (COI)