- دول عربية تتأخر عن قاطرة التنمية بسبب تداعيات جائحة كورونا
- ارتفاع الديون تزيد حاجة دول عربية للمانحين وتأثيرات ذلك على زيادة التبعية
- تحديات المستقبل تجعل الدول العربية بين خيارين: اما التبعية المالية للغرب وفقدان جزء من السيادة أو النهضة الوطنية لتحقيق الاكتفاء الذاتي
الكويت، 5 نوفمبر 2020 (csrgulf): مع حلول عام 2025، يبدو أن العالم العربي قد يتراجع على عدة جبهات، مما يؤدى إلى عودة عقارب التنمية إلى الوراء لعدة عقود ومحو التقدم المهم الذي تم إحرازه على مدار القرن العشرين مع مخاوف مقلقة من زيادة حاجة دول عربية للمانحين الدوليين والآثار التنموية والسياسية لزيادة الديون الخارجية على المدى القريب والمتوسط.
وعقب الوباء يقف جزء من الدول العربية عند مفترق طرق، اما أن تواجه عدم الاستقرار الذي طال أمده، أو فقدان مكاسب مهمة تم تحقيقها على مدار العقود القليلة الماضية. وحسب تقديرات إدارة رصد المخاطر في مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (CSRGULF) بناء على دراسة بيانات أهم المؤسسات المالية الدولية (world bank وIMF) فان جائحة فيروس كورونا المستجد (covid 19) قد تبطئ وتيرة الإصلاحات الاقتصادية الجوهرية في العالم العربي نحو 5 سنوات مقبلة لحين بداية التعافي كلياً من تداعيات الجائحة.
وعلى صعيد آخر، قد يكون الوضع الاقتصادي الصعب الذي تقبل عليه دول عربية مدخلاً يغري إسرائيل وحلفائها لزيادة ممارسة ضغوط على بعض الدول من خلال مؤسسات مالية عالمية ضخمة من أجل تمرير صفقات تطبيع جديدة مقابل حزم مساعدات مالية بضمانات القوى الكبرى.
وسواء كانت إدارة البيت الأبيض المقبلة ديمقراطية أو جمهورية، ليست هناك أي دلالات محتملة في الأفق على تراجع الدور الأميركي في الضغط المباشر وغير المباشر على تحسين علاقات الدول العربية بإسرائيل وفق شروط اللوبيات الصهيونية المؤثرة في الولايات المتحدة والعالم. وقد يحمل التطبيع شعارات سلام مختلفة لكن على الأرجح أن تكون نتائجه على حساب محدودية توسع جغرافية فلسطين وبقاء القدس محل جدل في حين يتم فرضها تدريجياً في الوثائق الدولية وبين الأوساط العالمية كعاصمة إسرائيل الأبدية في انتظار اعتراف أممي وعربي بها مستقبلاً ومثل هذا الاعتراف غير المؤكد مستقبلاً يواجه رفضاً وغضبا شعبياً.
وعموماً خلال السنوات المقبلة أيضاً قد يزيد نفوذ التدخل الأجنبي في الدول العربية على حساب توقع زيادة الانقسام العربي وتسلل إسرائيل الى الحدائق الخلفية لعدة أقطار عربية والدفع قدما نحو تعزيز التطبيع الثقافي وإعادة تشكيل معارف أجيال العرب القادمة حول العلاقات التاريخية بين المسلمين واليهود محاولة لاجتثاث دوافع العداء المتوارث عربياً نحو إسرائيل والصهاينة.
ومع ارتفاع ديون الدول العربية تزيد حاجة هذه الدول للمانحين وارتدادات ذلك على زيادة مفترضة للتبعية للقوى الخارجية. هذه اهم تحديات المستقبل التي تجعل الدول العربية تواجه خيارين اما التبعية المالية للغرب وفقدان جزء من السيادة أو النهضة الوطنية والتعاون العربي المشترك لتحقيق تطلعات الشعوب خاصة فئة الشباب.
وتواجه جميع الدول العربية مجموعة من التحديات المشتركة التي تتراوح من بطالة الشباب إلى تغير المناخ والإرهاب. قد يوفر هذا الزخم اللازم للتعاون العربي، لكنه يظهر بشكل خاص أن المقاربات الثنائية لم تعد كافية. اذ لا يمكن معالجة أي من القضايا المذكورة بدون تعزيز التعاون العربي المشترك. لكن ذلك قد يكون مصطدما بزيادة رصد اتساع الهوة بين مواقف الأنظمة العربية التي قد تخيير النزعة الوطنية في سياساته، الأمر الذي قد يضر بالتكامل الاقتصادي العربي أو تبادل المعلومات الاستخباراتية[1].
تداعيات الوباء على الدول العربية أشد خطورة من آثار الربيع العربي
يبدو أن التاريخ يعيد نفسه في أغلب الدول العربية وتتجدد المخاطر بأشكال مختلفة. ففي حين تسبب الإرهاب منذ 2014 بدخول المنطقة بأكملها في دائرة اضطرابات خطيرة أدت الى انحراف مسار التعافي الاقتصادي من تداعيات الربيع العربي، وذلك بتركيز الدول العربية على محاربة الإرهاب مهما كان الثمن، وأهملت تنفيذ الإصلاحات الهامة التي كان من شأنها أن تخلق فرص عمل، وتحفز الابتكار والتنويع الاقتصادي، وتسهم في النمو وتعزز الاستقرار، تواجه اليوم أغلب الدول العربية خاصة محدودة الدخل المخاطر نفسها بانحراف متوقع لمخططات التنمية وعودة التركيز على محاربة العنف والإرهاب والاضطرابات المحتملة كتداعيات مرجحة ابّان نهاية موجة وباء كورونا المدمّر على حساب الإصلاحات الهامة المتوقع استمرار تأخرها.
بعد ثورات الربيع العربي في 2011، وعقب نهاية شبح الإرهاب بتصفية تنظيم الدولة الاسلامية “داعش” في 2017، وقبل اجتياح الوباء عالمياً في نهاية 2019، كانت التوقعات متفائلة عربياً بمتوسط نمو بنسبة 5٪ وانخفاض مؤقت في أسعار المواد الغذائية جزءًا من التطلعات الرسمية والشعبية اعتماداً على ثقة النخب الحاكمة في النظرة الإيجابية التي رسمها المتنبئون الاقتصاديون المحليون والدوليون والتي دفعت صانعي القرار في بعض الدول العربية الى تأجيل الإصلاحات سنوات طويلة. هذا التأجيل قد يطول أكثر عقب الوباء.
وبدلاً من توقعات النمو، بدأت الاقتصادات العربية، التي كانت قد بدأت لتوها في التعافي من اضطرابات عام 2011، في الانكماش مرة أخرى نتيجة لعدة عوامل أبرزها ظهور الوباء ومخاطر الأمن القومي الصحي وتداعيات اغلاق الدول التي تقود في الأفق خاصة في الدول الفقيرة ومحدودة الدخل الى تباطء وتيرة التفاؤل بآفاق النمو مع زيادة رصد مؤشرات مقلقة كمزيج من انعدام الأمن وعدم الاستقرار وعدم استدامة الدعم وتأثير ذلك على تضخم أسعار الغذاء وانهيار القدرة الشرائية في ظل تفاقم مؤشرات البطالة وزيادة معدلات الفقر.
الارتفاع الصاروخي لبطالة الشباب تبرر المخاوف من صعود الاضطرابات ومخاطر الارهاب
في حين تضطر تداعيات الوباء الى زيادة لجوء الدول الى الاستدانة لتغطية ارتفاع نسبة العجز في ميزانيات، فان مثل هذه الديون قد تؤدي إلى شلل اقتصادي مؤقت في جميع الدول العربية تقريبًا، حتى تلك التي لا تواجه شبح الاضطرابات. وتزيد المخاوف من تأثير الاضطرابات ومخاطر الارهاب التي قد تنهك قطاع الأمن وتقلص مصادر التمويل الموجه للتنمية وتزيد مظاهر الفساد. كما تنمو نظرة مقلقة إزاء إمكانية احياء بعض الجهات السياسية أو الشعبوية الانقسامات المجتمعية لأغراض فئوية وطائفية.
أدى الوباء إلى انخفاض حاد في الوظائف في مختلف المجالات. نتيجة لهذا الوضع المؤلم، لم يؤجل صناع القرار الإصلاحات فحسب بل اتخذ بعضهم تدابير شعبوية للتخفيف من حدة الوضع الفوري بطرق ضارة وغير مجدية كحزمة المساعدات المحدودة المؤقتة لجزء بسيط من المتضررين من الجائحة.
ويبقى الشاغل الرئيسي لجميع الدول العربية هو الارتفاع الصاروخي لبطالة الشباب[2]، حيث يزيد متوسط البطالة عربيا بدافع من الوباء الى نحو 30 في المئة[3] جراء تراجع الفرص الوظيفية وفقدان الوظائف بدافع قيود الاغلاق وتراجع النشاط الاقتصادي والتصدير واضطراب مسالك التوزيع والتوريد. وفي مناخ يتسم بتباين التعامل الرسمي مع المعارضة السياسية مع الضغوط المتزايدة باستمرار على الشبكات الإرهابية، قد يتم على الأرجح رصد انضمام عدد من الشباب العاطل عن العمل الى تجمعات او تيارات مناوئة للحكومات قد يتخذ بعضها أشكالا إرهابية او عبر التظاهر في الشوارع.
ومن المتوقع أن يمر العالم العربي وجيرانه بمرحلة انتقالية صعبة خاصة على مستوى تشابك التحالفات مع القوى الكبرى في صعود حرب المحاور بين الولايات المتحدة والصين وروسيا.
المصدر: مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf)
أهم المراجع:
[1] Florence Gaub, Alexandra Laban, Arab futures: Three scenarios for 2025, This report is the outcome of a series of meetings of the Arab Foresight Group, an initiative undertaken by the EU Institute for Security Studies to bring together experts from Europe and the Arab world to develop scenarios for the future of the Middle East and North Africa (MENA) region. EU Institute for Security Studies 100, avenue de Suffren 75015 Paris www.iss.europa.eu, https://www.files.ethz.ch/isn/188691/Report_22_Arab_futures.pdf
[2] Global Employment Trends for Youth 2020: Arab States, https://www.ilo.org/wcmsp5/groups/public/—dgreports/—dcomm/documents/briefingnote/wcms_737672.pdf
[3] Word Bank, June 2020, https://data.worldbank.org/indicator/SL.UEM.1524.ZS?locations=ZQ