- التبادل التجاري الإسرائيلي الخليجي قد يتضاعف 10 مرات
- التجارة بين إسرائيل والخليج قد تزدهر العقد المقبل
الكويت 30 ديسمبر2020 (CSRGULF): بعد انتظار سنوات طويلة، يحتفل الاسرائيليون قريباً بوضع العلامة التجارية “صنع في إسرائيل” بديلاً عن “صنع في أمريكا” على بضائع إسرائيلية كثيرة تصنع في مستوطنات الضفة الغربية (يهودا والسامرة) وكانت تدخل أسواق العالم أو الأسواق العربية بعلامات تجارية صنع في أمريكا.
وبذلك فان إسرائيل لم تعد بحاجة لدولة ثالثة لإخفاء مصدر انتاج بضائعها وتستعد من أجل الدفع برواج المنتج الاسرائيلي في العالم وخاصة في الأسواق الخليجية والعربية من أجل اختراق حركة المقاطعة العالمية ومكافحة العداء للسامية، يأتي ذلك بعد تغير سياسي خارجي تُوّج باتفاقيات السلام الأخيرة بين إسرائيل وأكثر من دولة عربية. وكان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أعرب أخيرا عن نية واشنطن تغيير سياسة وضع العلامات على المنتجات من المستوطنات الإسرائيلية خلال رحلته الأخيرة إلى إسرائيل.
وتوضح أبحاث اقتصادية تصدر ضمن الجزء الثاني من دراسة “تحديات وآفاق السلام مع إسرائيل: الكلفة الشعبية والفرص والتداعيات” التي تنشر ضمن الإصدار السنوي الثاني لمركز (CSRGULF)، أن هذه التغيرات المتسارعة تعكس رغبة إسرائيل تحقيق مصالح اقتصادية جامحة بعد اتفاقيات السلام التي تبررها معطيات اقتصادية أبرزها محاولة التعافي الاقتصادي في ظل تراجع وانكماش صادرات إسرائيلية الى بعض الأسواق الكبرى بسبب زيادة الحمائية أو التنافسية وتداعيات وباء كورونا. وتُعوّل إسرائيل على اقتناص فرصة السلام لفتح أسواق عربية جديدة أمام بضائعها وسلعها المختلفة الصناعية والتكنولوجية والدوائية وحتى الزراعية.
وقد ضغط لوبي رجال الأعمال اليهود على القيادات السياسية منذ سنوات لعقد سلام مع الدول العربية من أجل دفع المصالح التجارية المشتركة التي تطمح لها الشركات الإسرائيلية بالنظر لنمو السوق الاستهلاكية العربية وخاصة الخليجية المعتمدة على الواردات.
وتستعد إسرائيل لغزو أسواق المنطقة العربية بأكثر المنتوجات جودة في العالم وخاصة في مجالات الأدوية ومنتجات التكنولوجيا والاتصالات والخدمات الرقمية والبحوث والدراسات وحلول الأعمال ومنتجات الطاقة، حيث تكثف الجهود أيضاً لتصبح من كبار منتجي ومصدري الغاز، وهو ما يجعلها في مركز تنافسي شديد على المدى المتوسط مع تركيا والسعودية والامارات على مستوى الهيمنة على امدادات الأسواق العربية التي قد تشهد تراجعاً طفيفاً للواردات الأوروبية والآسيوية التي قد تكون الإسرائيلية بديلة عنها في مجالات معينة. وفي ظل حرص دول إقليمية كتركيا على تنمية تجارتها وصادراتها مع أسواق عربية وخليجية، ترجح التوقعات تطور صراع تجاري إسرائيلي تركي في الأفق على غزو الأسواق العربية وخاصة الخليجية. ويعتبر تصادم مصالح لا محالة متوقع في المدى القريب بين إسرائيل وتركيا في الشرق الأوسط وشمال افريقيا حول التنافس على النفوذ التجاري.
وينذر تحليل بيانات آفاق توسع الاقتصاد الاسرائيلي على المدى البعيد بانهيار تنافسية المنتجات العربية التي ما يزال أغلبها دون مستوى مواصفات الجودة العالمية ما يجعل أغلب الاقتصادات العربية في مراكز متأخرة في تنصيف التنافسية العالمية[1] في حين تتقدم إسرائيل ضمن القائمة العشرين بين أكثر اقتصادات العالم تنافسية وتطوراً.
وان تحمل توقعات انفتاح الأسواق العربية أمام المنتجات الإسرائيلية على المدى المتوسط زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر نحو بعض دول الوطن العربي الا أنها في المقابل قد تُسبب زيادة انكماش الاستثمارات والصادرات الوطنية على المدى الطويل في بعض البلدان العربية التي تعاني اقتصاداتها من تنافسية محدودة في ظل سياسات اصلاح محلية متعثرة للنهوض بجودة الصناعة والخدمات خاصة في الدول العربية النامية ومحدودة الدخل باستثناء بعض الاقتصادات أبرزها الامارات وقطر والسعودية والتي تعتبر بين أكثر اقتصادات الدول العربية تنافسية[2] غير أن أغلبها مرتبطة بصادرات طاقية أو صناعات تحويلية ذات قيمة مضافة محدودة، لكن هذه الدول تمضي قدماً في الوقت نفسه أكثر من نظيراتها العربية في مسار تحسين قدرتها التنافسية في مجال التحول الرقمي وتبني تقنيات التكنولوجيات الذكية كقطاع واعد على المديين المتوسط والبعيد.
ومن خلال دراسة آفاق السلام الموقع بين الامارات والبحرين مع اسرائيل، من المتوقع أن يؤدي هذا السلام إلى زيادة حجم الصادرات الإسرائيلية الى المنطقة الخليجية، بسبب توقع إزالة القيود المفروضة على التجارة، أكثر من ذلك فقد ينتشر المنتوج الإسرائيلي ليشمل الخليج بأكمله. وتبدي الشركات الإسرائيلية اهتماما متصاعداً[3] بالاستثمار والتجارة مع دول الخليج بالنظر الى أن مجلس التعاون الخليجي (GCC) مصنف كرابع أكبر مستورد في العالم مع قوة شرائية متنامية. وكان رئيس مجلس إدارة المعهد الإسرائيلي للتصدير والتعاون الدولي أديف باروخ صرح سابقاُ أنه من المتوقع أن تفتح دول عربية بوابة مدهشة وواسعة النطاق للصناعات الإسرائيلية وستكون إحدى القوى الدافعة للخروج من الأزمة الاقتصادية الناتجة عن فيروس كوفيد -19. ويثير اهتمام الدول الخليجية بالأساس بامتلاك مقومات اقتصاد المعرفة الشركات الإسرائيلية الراغبة في تزويدها بالتقنيات ذات الصلة كتكنولوجيا المدن الذكية والحلول والخدمات الرقمية فضلا عن الخدمات الصحية الرقمية، والحلول الزراعية، والخدمات المالية الرقمية[4].
وتقضي الرؤية الصهيونية البراغماتية للسلام مع العرب بتعزيز قدرات الاقتصاد الإسرائيلي. فالناتج الإجمالي المحلي الإسرائيلي الذي يقترب اليوم من 340 مليار دولار[5]، قد يقفز الى أكثر من نصف تريليون دولار خلال ثلاث سنوات فقط بدفع من نمو التبادل التجاري مع الأسواق العربية. وفي ضوء هذه التوقعات من المرجح أن ترتفع حصة الفرد في اسرائيل من الناتج المحلي الإجمالي مع تعزز الدخل الفردي الى أكثر من 50 ألف دولار سنوياً[6]. وتحسنت توقعات نمو إيرادات إسرائيل بفضل عوامل كثيرة بينها تعزيز اكتشافات الغاز الأخيرة للقدرات الطاقية لإسرائيل ما دفع لنهضة الصناعة وخاصة التصديرية مع ترقب زيادة توسع خارطة الأسواق التي ستغزوها البضائع الإسرائيلية بينها أسواق الدول العربية، كما يعزز تحسن نسبة الاكتفاء الذاتي الإسرائيلي من الطاقة من قوة التفاوض التجاري الإسرائيلي مع العالم العربي مستقبلاً حيث قد لا تكون إسرائيل بحاجة كبرى لموارد الطاقة العربية بقدر حاجتها الى أسواق استهلاكية بالنظر الى تضخم حجم السوق الاستهلاكية العربية لتناهز نحو 470 مليون نسمة في 2025[7].
كما أن التجارة بين إسرائيل ودول الخليج التي تبلغ اليوم نحو أكثر من مليار دولار قد تقفز بنحو 10 أضعاف في المدى القريب غداة سريان اتفاقيات اقتصادية وتجارية بين إسرائيل والدول الخليجية الموقعة على اتفاقيات سلام، حيث يسهم السلام بين دول خليجية وإسرائيل في تجاوز الدولة العبرية لآثار المقاطعة العربية على نمو التجارة الإسرائيلية وكسر العوائق التي كانت أمامها[8].
الميزان التجاري قد يميل لصالح إسرائيل بسبب أزمة تنافسية المنتوج العربي
على الأرجح أن أي تبادل تجاري بين إسرائيل ودول عربية سيكون لصالح الاقتصاد الإسرائيلي على المدى القريب بسبب جاهزية الشركات الإسرائيلية والجودة العالية للصادرات وبحثها بشغف عن أسواق جديدة في مقابل محدودية تنوع وجودة الصادرات العربية غير النفطية.
ويشير تحليل اتجاهات الصادرات الاسرائيلية في عام 2017 إلى زيادة ملحوظة للسلع والخدمات التصديرية إلى معظم الوجهات التجارية في العالم. فبعد عامين متتاليين من الاتجاه الهبوطي، ارتفعت الصادرات الاسرائيلية إلى الاتحاد الأوروبي بنسبة 20 في المئة في عام 2017 لتصل إلى 15.9 مليار دولار، وهو ما يمثل أعلى مستوى لقيمة التبادل التجاري بين إسرائيل ودول الاتحاد الأوروبي، في المقابل انخفضت نسبة الصادرات إلى الولايات المتحدة بشكل طفيف بنسبة 2 في المئة عن مستواها في عام 2016. كما ارتفعت صادرات الصناعات الالكترونية إلى أمريكا اللاتينية بنسبة 7 في المئة على أساس سنوي، وذلك بسبب انتعاش الصادرات الاسرائيلية إلى البرازيل مع ارتفاع ملحوظ للصادرات إلى أفريقيا جنوب الصحراء بنسبة 5 في المئة بعد عدة سنوات من التراجع المستمر[9]. وتبحث الصادرات الإسرائيلية بشغف عن دخول أسواق جديدة في مقدمتها الأسواق العربية بشكل مباشر. وتستفيد من تحسن جودة المعايير والمواصفات على عكس دول عربية كثيرة.
وعلى عكس إسرائيل، تفتقر دول عربية كثيرة الى أهمية قوانين مكافحة الاحتكار والمنافسة خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مع زيادة الحاجة إلى هيئات تنظيمية مختصة لتعزيز بيئة الأعمال والنهوض بجودة الاستثمار وتحسين الأداء الاقتصادي ودفع عجلة النمو[10].
ويعيق نمو مؤشرات الفساد والاحتكار وعدم النهوض بالمؤسسات الصغرى والمتوسطة وسيطرة منظومة الأعمال العائلية قدرة تعزيز تنافسية أغلب الاقتصادات العربية، في حين ابتعدت اقتصادات دول عربية في مقدمتها الامارات وقطر والسعودية عن ركب المتأخرين في تعزيز التنافسية العالمية وباتت بين الأكثر تقدماً في ركب الدول المسارعة لتحسين قدرة منتوجاتها التنافسية في الأسواق العالمية.
وبحسب تحليلنا للأرقام، قدرت قيمة الصادرات الإسرائيلية إلى دول مجلس التعاون الخليجي بنحو مليار دولار كمتوسط سنوي خلال السنوات الأخيرة. وكانت جميع الصادرات الإسرائيلية تصل إلى أسواق دول مجلس التعاون الخليجي بشكل غير مباشر عبر دول ثالثة. حيث يتم توجيهها أحيانًا عبر الأردن أو تركيا، ولكن في الغالب عبر دول أوروبية ودول أخرى خارج منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وقلصت قرارات المقاطعة من نسبة نمو هائلة للتبادل التجاري بين إسرائيل والخليج، وبإزالة القيود السياسية على الصادرات إلى دول مجلس التعاون الخليجي والأسواق العربية الرئيسية الأخرى قد تشهد نسبة الصادرات الإسرائيلية الى العالم العربي مرحلة انتقالية ضخمة، حيث تعول إسرائيل على دعم مبادئ الاقتصاد المفتوح والقائم على القواعد والتسامح الديني في بعض الدول العربية التي تنظر اليها كشريك تجاري في المستقبل.[11]
ومع مرور الوقت وتوسع العلاقات التجارية بين إسرائيل ومنطقة الخليج، لا تستبعد النظرة الاستشرافية لنوع وحجم التبادل التجاري أن تكتسح السلع الإسرائيلية على الأرجح أسواق دول الخليج بفضل استفادتها من تجربة تعديل معايير الجودة واكتسابها مواصفات عالمية تنافسية، في مقابل تنافسية ضعيفة للمنتجات غير النفطية في دول الخليج بسبب محدودية مسار تنويع الصادرات ومحدودية اكتسابها لمعايير الجودة العالمية[12]، حيث تؤثر محدودية الكفاءات والمهارات في أسواق العمل الخليجية على نوعية المنتجات، كما يؤثر ضعف جودة التعليم على قدرة التطوير والابتكار المطلوبة لتعزيز تنافسية جودة المنتج الخليجي. الى ذلك ينعكس مستوى تدني جودة التعليم على بطء وتيرة تحسن جودة المنتجات الصناعية العربية وتنافسيتها في العالم.
في هذا الصدد يتقدم كل من الاقتصاد الاماراتي والسعودي في مسار تحسين تنافسية جودة الصادرات بشكل تدريجي، الا أن المنتج الإسرائيلي في بعض القطاعات حسب بعض الدراسات لديه إمكانية التفوق على منافسيه في الأسواق الخليجية بفضل معادلة الجودة العالية والأسعار التنافسية، وهذه المعادلة تميز مسارا إصلاحيا انتهجته الشركات التصديرية الإسرائيلية منذ عقدين بالاستفادة من قفزة في الاستثمارات الأجنبية والتي حولت إسرائيل الى منصة صناعات تصديرية تنافسية للعالم قد تخترق أسواق الخليج وتصبح في منافسة شديدة مع تركيا ودول أوروبية وآسيوية. وتطمح شركات إسرائيلية الى اختراق تجاري تدريجي للأسواق العربية خلال الخمس سنوات مقبلة.
وقد يلعب دور القرب الجغرافي من دول الشرق الأوسط والخليج ميزة هامة في توقع قفزة في التبادل التجاري الاسرائيلي مع دول خليجية وشرق الأوسطية في العقد المقبل في حال حافظ الاستقرار الجيو-سياسي على حاله دون نشوب صراع إقليمي قد تكون إسرائيل أكثر دول الشرق الأوسط حرصاً على تجنبه.
2020 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (CSRGULF)
الهوامش:
[1] Klaus Schwab, The Global Competitiveness Report 2019, World Economic Forum, http://www3.weforum.org/docs/WEF_TheGlobalCompetitivenessReport2019.pdf
[2] Klaus Schwab, Saadia Zahidi, Top ten countries on ICT adoption, flexible work arrangements, digital skills and digital legal framework, SPECIAL EDITION 2020, How Countries are Performing on the Road to Recovery, World Economic Forum, The Global Competitiveness Report, http://www3.weforum.org/docs/WEF_TheGlobalCompetitivenessReport2020.pdf
[3] RAPHAEL AHREN, No labels: Israel’s new Gulf partners seem happy to do business with settlements Wine from the Golan, olive oil from the West Bank — despite the political sensitivities, companies in UAE and Bahrain appear unfazed about where their trading partners are located ,9 December 2020, https://www.timesofisrael.com/no-labels-israels-new-gulf-partners-seem-happy-to-do-business-with-settlements/
[4] Danny Zaken, From tech to tourism, Israel-UAE trade potential is vast, aug 2020, https://en.globes.co.il/en/article-from-tech-to-tourism-israel-uae-trade-potential-is-vast-1001340312
[5] World Bank, 2020, https://tradingeconomics.com/israel/gdp#:~:text=GDP%20in%20Israel%20is%20expected,according%20to%20our%20econometric%20models.
[6] H. Plecher, Gross domestic product (GDP) per capita in Israel 2025, Dec 9, 2020, https://www.statista.com/statistics/526556/gross-domestic-product-gdp-per-capita-in-israel/
[7] Arab futures:Three scenarios for 2025, REPORT Nº 22 — February 2015, https://www.files.ethz.ch/isn/188691/Report_22_Arab_futures.pdf
[8] ROBERT E. LIGHTHIZER, 2020 NATIONAL TRADE ESTIMATE REPORT ON FOREIGN TRADE BARRIERS, UNITED STATES TRADE REPRESENTATIVE, https://ustr.gov/sites/default/files/2020_National_Trade_Estimate_Report.pdf
[9] Developments and Trends In Israeli Exports Summary for 2017 & Forecast for 2018, the Economic Department The Israel Export and International Cooperation Institute, March 2018, http://www.export.gov.il/files/economy/IEICIdevelopmentsandtrendsinIsraelexportsSummaryof%202017.pdf?redirect=no
[10] Economic and Social Commission for Western Asia (ESCWA), Economic Governance Series Competition and Regulation in the Arab Region, 2015, Beirut, file:///C:/Users/IMED/Downloads/economic-governance-series-2015.pdf
[11] Tony Blair, Assessing Israel’s Trade With Its Arab Neighbours, Institute for Global Change,14th August 2018, https://institute.global/advisory/assessing-israels-trade-its-arab-neighbours
[12] Tim Callen, Reda Cherif, Fuad Hasanov, Amgad Hegazy, and Padamja Khandelwal, Economic Diversification in the GCC, IMF, December 2014, https://www.elibrary.imf.org/view/IMF006/22194-9781498303231/22194-9781498303231/22194-9781498303231_A001.xml?language=en&redirect=true