- الدول المستقرة والمهددة إقليمياً فقط المعنية بالسلام مع اسرائيل
- التطبيع انتقائي لا يستهدف كل العرب
- التحولات الجيوسياسية تجعل من الصعب تحقيق اتفاق تفاوضي في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي
- احتمال قوي بعودة منح المساعدات المالية للفلسطينيين
- يأس إسرائيل من السلام مع إيران دفعها الى حل سلام بديل مع العرب
- المزاج الشعبي التي تغلب عليه معاداة الصهيونية وإسرائيل
الكويت 31 ديسمبر 2020 (csrgulf): خلال 2021 ورغم تغير الإدارة الأمريكية، قد تزيد وتيرة الضغوط على دول عربية من أجل الالتحاق بركب البلدان التي أعلنت اتفاقيات سلام مع إسرائيل. ضغوط قد تتمثل في الواقع في عرض تبادل مصالح بين بلدان عربية والولايات المتحدة، لكن هذا العرض انتقائي لا يشمل كل الدول العربية. فالدول المعنية باتفاقيات سلام مع إسرائيل هي فقط التي لديها أنظمة مستقرة وعلاقات إقليمية متوترة.
وحسب استنتاجات الجزء الثالث لدراسة “تحديات وآفاق السلام مع إسرائيل: الكلفة الشعبية والفرص والتداعيات” ضمن الإصدار السنوي الثاني لمركز (CSRGULF) فان خطوات اتفاقيات السلام مع دول عربية قد تتسبب في المدى القريب على الأرجح في زيادة قيود على الحريات والحراك الشعبي الجماهيري التي قد تصنف ضمن المخاطر الداخلية في حال حملت شعارات المقاطعة والعداء لإسرائيل والتي قد تهدد مسار السلام المبرم وحركة سفر الإسرائيليين الى الدول العربية.
وقد تحاول الإدارة اقناع الرأي العام العربي بأهمية السلام مع إسرائيل من خلال احتمال قوي بعودة منح المساعدات المالية للفلسطينيين.

وتشير دراسة تغير المواقف الأمريكية خاصة على مستوى دراسات أبحاث مراكز الفكر الصهيونية في الولايات المتحدة التي يقدم بعضها النصح للإدارة الأمريكية الى احتمال تخفيض الولايات المتحدة لضغوطها على الأنظمة العربية الرامية لدعم ونشر الديمقراطية، في المقابل، أظهرت دراسة تقارير إسرائيل تنامي خشية الدولة العبرية من التجارب الديمقراطية الشعبية بالنظر للمزاج الشعبي التي تغلب عليه معاداة الصهيونية وإسرائيل. وبالتالي فأغلب مساعي التطبيع قد لا تعني كل الدول العربية خاصة تلك التي تعلو فيها الأصوات المعادية لإسرائيل في دلالات الى احتمال تصاعد مخاطر تهديد حراك شعبي محتمل في 2021 يحمل شعارات مقاطعة التطبيع.
في الأثناء، قد تواجه إدارة البيت الأبيض الديمقراطية خيارات مختلفة وصعبة: اما دعم الأنظمة لصالح استكمال العلاقات مع إسرائيل، أو دعم الخيارات الشعبية مقابل الانقلاب على العلاقات مع الدولة العبرية، حيث كشفت استطلاعات رأي أن نسبة لا يستهان بها من الرأي العام الشعبي العربي[1] اما رافضة تماماً لفكرة التعاطي مع الاسرائيليين أو غير مقتنعة بالتقارب مع إسرائيل أو منتقد لأي سلام معها على حساب بقاء أراضي كثيرة في العالم العربي محتلة مع وجود ملايين من اللاجئين الفلسطينيين في الشتات حول العالم.
خشية اسرائيل من الدول العربية ذات الأنظمة الديمقراطية الشعبية والبرلمانية
نظرا لانعدام الثقة اليوم بين إيران واسرائيل قد تبدو احتمالية السلام بينهما غير محتملة الا بعد سقوط النظام الإيراني الحالي، وهو ما حفّز إسرائيل على المبادرة نحو التطبيع مع الدول العربية المعتدلة ظاهريًا، حيث التقت أهدافها حول التحالف في صراعها ضد التهديد الإيراني.
وما ميّز معايير اختيار إسرائيل للدول التي عرضت عليها اتفاقيات سلام في المرحلة الأولى هو التوافق الأمريكي الإسرائيلي المبطن على مسار السلام لا يمكن تحقيقه في البداية إلا مع البلدان التي يوجد بها نزاع إقليمي[2]. فإسرائيل قد تعقد سلاماً مع دول لديها نزاعات إقليمية وتعرف استقرارا داخلياً وقبضة أمنية قوية، لكن في الوقت لديها خشية من الدول العربية ذات الأنظمة الديمقراطية الشعبية والبرلمانية، حيث أن دراسات إسرائيلية نفسها تعتقد عدم استعداد السواد الأعظم من الشعوب العربية للتطبيع الشعبي مع الإسرائيليين بفضل رواسب ثقافة العداء ومقاومة الاحتلال. وأي تغيير لهذه الثقافة قد يشترط تقديم إسرائيل تنازلات ضخمة هي نفسها التي اشترطتها المبادرة العربية للسلام في 2002 وفشلت سابقاً والتي تضمنت شروطاً كالقدس عاصمة لفلسطين وهي مطالب تتناقض مع رؤية السلام الصهيونية القائمة على السلام مقابل السلام والمصالح المتبادلة التي تقبل بتقديم التنازلات لكن مع الوقوف عند ما تعتبرها خطوطاً حمر لا يمكن تجاوزها كالمطالبة بالقدس كعاصمة حيث تعتبرها أدبيات الصهيونية يهودية، أو عودة اللاجئين حيث ترفض مثل الفرضية في أي مفاوضات مستقبلية لإقرار حل الدوليتين.
وتجتمع التحولات الجيوسياسية اليوم لتجعل من الصعب تحقيق اتفاق تفاوضي في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. فمنذ 10 سنوات، كان المفاوضون الفلسطينيون يطالبون بعودة اللاجئين بنحو 100 ألف سنوياً، بينما وافقت حينها الحكومة الاسرائيلية على القبول بعودة 5 ألاف فقط سنوياً، ليتغير موقف التفاوض اليوم الى ممانعة إسرائيل نهائياً أي عودة للاجئين[3]. وهو ما يدل على تغيرات كبرى في مراكز قوى التفاوض.
خيار المقاطعة العربية كاد يخنق إسرائيل اقتصادياً
خلال العقدين الأخيرين تغيرت مراكز القوى في مسار مفاوضات السلام بين العرب وإسرائيل، فقبل 18 عاماً فقط كانت إسرائيل مصابة بالذعر من مبادرة سلام عربية كانت تعرض التطبيع الشامل المشروط باسترجاع حقوق الفلسطينيين أو استمرار مقاطعة شاملة عربية وإسلامية لأي تعاون أو تجارة مع الدولة العبرية من شأنها أن تخنق الاقتصاد الإسرائيلي المتطلع الى التوسع بعد نهضة الصناعات التحويلية والدوائية والتكنولوجية وتضخم الإنتاج الباحث عن التسلل الى أسواق العالم العربي.
وبعد رفض إسرائيل هذه المبادرة السعودية للسلام والتي قدمتها في 2002، تحملت إسرائيل عناء كبيرا في زيادة الالتفاف حول المقاطعة باللجوء الى دول ثالثة لإقامة علاقات تجارية سرية وغير مباشرة مع دول عربية. وقد عانت إسرائيل من تراجع علاقاتها التجارية في بعض المناطق في العالم ما دفعها جدياً لضرورة الالتفات الى تنمية التجارة المباشرة مع الأسواق العربية.
ومنذ 2002 زادت المخاوف الاسرائيلية من تنامي قوة الدول الخليج وإيران العسكرية، وهو ما دفعها الى محاولة استقطاب التعاون مع دول الخليج وتقاطع الرؤى المشتركة في معاداة إيران. وهو مثّل نقطة بداية مفاوضات السلام التي تحدث اليوم.
وبعد دراسة مكثفة ثبت أن اتفاقيات السلام اليوم بين دول عربية وإسرائيل برعاية أمريكية تعود بداية تشكلها تدريجياً الى 17 عاماً وتحديداً بعد فشل المبادرة العربية للسلام آنذاك ورفض إسرائيل لها. حيث عملت مجموعة من اليهود والصهاينة برفقة أمريكيين على إعادة احياء الرؤية الصهيونية واعتمادها كحل بديل للسلام الذي عرضه العرب في 2002. وتعتمد رؤية الصهيونية للحل على إقامة دولتين (إسرائيل وفلسطين) مع إعادة مفاوضات لسلام انتقائي وجزئي مع دول عربية على أساس تغليب المصالح المشتركة وشيطنة إيران وتقديم تعاون تفاضلي يسمح بدعم أمريكي أكبر للدول العربية مقابل تطبيع العلاقات مع اسرائيل.
وكانت المبادرة التي قدمتها السعودية وتبنتها الجامعة العربية في 2002 طرحت عرضاً لتطبيع شامل بين كل الدول العربية والاسلامية وعددها 57 مع إسرائيل، الا أن شرط هذا السلام اعتبرته إسرائيل غير منصف بينما يعتبره العرب حقاً شرعياً آنذاك للفلسطينيين وخاصة الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين والانسحاب الى حدود عام 1967 وهي شروط ترفضها نهائياً الدولة العبرية. ولذلك اختارت السلام الانتقائي والجزئي والتدريجي أي مع دول بعينها تتشارك معها في رؤية السلام وتغليب المصالح المشتركة وخيرت تقديم تنازلات محدودة كتجميد وقتي لعملية الاستيطان ورفع القيود على الأنشطة الاقتصادية الفلسطينية وإعادة منح التمويلات المرسلة والمجمدة للسلطة الفلسطينية. ومن غير المستبعد أن يضغط اللوبي الصهيوني على الإدارة الأمريكية الديمقراطية في 2021 بإعادة منح المساعدات الأمريكية المتوقفة في عهد الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب الى الفلسطينيين.
2020 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (CSRGULF)
الهوامش:
[1] تحليل المركز لقاعدة بيانات إحصائية لـ”عينة من مستخدمين عرب لمواقع التواصل الاجتماعي فايسبوك وتويتر” في ديسمبر 2020
[2] William F. Wechsler, Kirsten Fontenrose, Marc J. Sievers, Jonathan H. Ferziger, Barbara Slavin, Carmiel Arbit, Michel Duclos, Richard LeBaron, Mark N. Katz, Thomas S. Warrick, Sina Azodi, Joze Pelayo, Experts react: US brokers another deal in Middle East with Israel and Bahrain, FRI, SEP 11, 2020, https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/experts-react-us-brokers-another-deal-in-middle-east-with-israel-and-bahrain/
[3] Hesham Youssef, The Collapsing Foundation for Israeli-Palestinian Peace, New accords among Israel, Bahrain and the UAE challenge a long-standing paradigm for peacemaking, September 14, 2020, US institute of Peace, https://www.usip.org/publications/2020/09/collapsing-foundation-israeli-palestinian-peace