تحليل
الكويت، 18 أغسطس 2024 (csrgulf): 19 يوماً منذ إغتيال رئيس مكتب حركة المقاومة الإسلامية حماس إسماعيل هنية في طهران، وإيران التي أعلنت الانتقام لم ترد بعد.
ومقارنة مع عملية الوعد الصادق في إبريل الماضي التي استهدفت خلالها إيران إسرائيل بهجمة صاروخية مرفوقة بمسيرات بعد 12 يوماً فقط من القصف الإسرائيلي على سفارتها في دمشق، يعتبر الرد على إغتيال إسرائيل لهنية متأخراً بأسبوع تقريباً إلى حد الآن، وقد يتأخر أكثر.
هذا التأخر يبدو أنه مقصود ويحمل دلالات مهمة.
الدلالة الأولى لسبب التأخير مقارنة بعملية الوعد الصادق:
أولاً تفجير السفارة الإيرانية في دمشق كان خارج حدود إيران. والرد السريع على ذلك لم يربك حسابات إيران وأمنها القومي بشكل مباشر. حيث ساد إعتقاد بأن لا ثغرات في الأمن الداخلي الإيراني وهو ما استدعى تركيزا على تنسيق الرد سريعاً. لكن في المقابل، حادثة اغتيال هنية صدمت النظام ويبدو أنه لم يستوعب للآن حجم هذه الصدمة والاختراق الضخم. كيف لا وأضخم عملية اغتيال لأهم قيادي للمقاومة الفلسطينية تمت في طهران، أي في القلب النابض للجمهورية الإسلامية التي لطالما صورت نفسها كدرع حام للمقاومة والمقاومين ضد الكيان الصهيوني، وبذلك فان وقع عملية الاغتيال أضخم على الأمن القومي الإيراني مقارنة بعملية الوعد الصادق. اذ يعد أكبر هجوم للكيان الصهيوني داخل إيران نجح في إستباحة السيادة الإيرانية بسهولة مستهدفاً شخصيات قيادية ومقرات الدولة الرسمية.
ولذلك فاختلاف حجم وحساسية وأبعاد العمليتين يؤثر على تكتيكات وتوقيت الانتقام، وأيضاً على نوعية السلاح المستخدم والنتائج المرجوة. وهو ما يضطر إيران للتمهل في دراسة تنفيذ الرد الذي وعدت أنه سيكون قاسياً.
ثانيا تقييم الدروس المستفادة من عملية الوعد الصادق خاصة تلك المرتبطة بمحدودية إصابة الصواريخ والمسيرات الإيرانية في ابريل الماضي أهدافها بسبب اعتراضها من دفاعات اسرائيل وقبتها الحديدية إلى جانب دفاعات حلفاءها الغربيين بقياة أميركا، تقييم هذه الدروس يبدو أنه استهلك وقت القيادات العسكرية، وبالتالي يفرض تأني ايران في اختيار اللحظة الحاسمة وضمان فرص نجاح الانتقام هذه المرة. كما قد يستغرق الحرس الثوري وقتا في اختيار نوعية سلاح الانتقام لتجنب أخطاء عملية الوعد الصادق وزيادة فعالية الوصول الى الأهداف.
فعلى عكس الصواريخ والمسيرات التي أستخدمت في عملية الوعد الصادق ووصفت بالقديمة ومحدودية القدرات التقنية والتفجيرية، فمن غير المستبعد أن تلجأ إيران لتغيير السلاح باستخدام أحدث ترسانتها المتطورة في الصواريخ والمسيرات الانتحارية خاصة. حيث أن معايير إختيار السلاح قد تغير من توقع الرد وتداعياته. إذ قد تركز إيران على صواريخ ومسيرات أكثر دقة وقدرة على مرواغة منظومات الدفاعات مع زيادة الحمولة التفجيرية والمدى والسرعة.
ورغم معرفة طهران بتعزيز إسرائيل وحلفائها لمنظومة الدفاع الجوي، يمتلك الحرس الثوري ورقة رابحة يمكن من خلالها اختراقه للدفاعات الإسرائيلية المحصنة. هذه الورقة قد تتمثل في استخدام أكبر حجم من ترسانة الصواريخ والمسيرات، حيث أن الكثرة العددية قد تربك الدفاعات وتشتتها لتزيد فرصة وصول الصورايخ والمسيرات الإيرانية لأهدافها. ولنجاح ذلك يتحتم انتظار توفر عنصر المباغتة.
لكن هناك عامل ثالث قد يفسر تأخر الرد الإيراني وهو الانشغال بتعزيز الأمن الداخلي ورص الصفوف وتقييم شامل للخروقات التي طالت الأمن القومي الايراني المخترق من الموساد وخلاياه النائمة. ولا يستبعد القيام أولا بتصفية الطابور الخامس المتعاون مع الموساد والذي نجح في التسلل خلال السنوات الماضية إلى الداخل الايراني.
ومن غير المستبعد قيام الأجهزة الأمنية بعملية فرز واسعة داخل العناصر الأمنية الفاعلة في الدوائر الضيقة للنظام، وقد تترافق مع تعزيز للقدرات الدفاعية وتحصين المواقع العسكرية وتعزيز الدفاعات تحسباً لأي رد محتمل في حال نجاح الانتقام الذي تعهدت به الجمهورية الاسلامية ردا لهيبتها كقوة اقليمية وازنة وأكبر قوة صاروخية في المنطقة، وثانياً انتقاماً لمقتل قائد رمز للمقاومة الفلسطينية على أراضيها.
وآخر عامل مهم، هو دور الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان وإمكانية تأثيره في عملية صنع قرار عملية الانتقام وفق حسابات المصالح والعواقب وتجنب جر إيران لحرب إقليمية طاحنة قد تكون مدمرة للجمهورية التي تسعى منذ سنوات لتسريع خطوات انفتاحها على محيطها الاقليمي والدولي لاستعادة التعافي والخروج من أزمات إقتصادية متتالية أثرت بشكل عميق على الشعب والاقتصاد الإيراني.
لذلك فقد يكون التأني مهم جدا في اختيار لحظة الرد الذي على الأرجح أنه سيكون محدودا في الزمان والمكان ويستهدف بنك أهداف إسرائيلية عسكرية بحتة كؤسسات الأمن والدفاع الإسرائيلية وبالأخص مؤسسات فرق النخبة والاستخبارات.
2024 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث CSRGULF