الكويت، 17 أغسطس 2023 (csrgulf): تواجه الهوية الدينية أو الانتماء العقائدي للشباب والمراهقين العرب بمختلف طوائفهم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحديات كبيرة مقلقة. حيث زاد رصد تصدع في المعتقدات الدينية لجزء من الأفراد بسبب ادمان الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي ومنصات التسلية في مراحل مبكرة من العمر. الشباب والمراهقون الفئة الأكثر تضرراً.
بعض الأبحاث المختلفة، توصلت الى أن إدمان وسائل التواصل الاجتماعي مرتبط بمتغيرات متعددة، مثل الجنس والرفاه النفسي، مستوى دخل المستخدم، الدين، وغيرها الكثير. ففي دراسة أجريت في الكويت تبيّن أن إدمان وسائل التواصل الاجتماعي بين المراهقين مرتبط سلبًا بالدين. دراسة أخرى تظهر أن العلاقة بين التدين ونمط استخدام الإنترنت هي علاقة سلبية[1]. وهذا ما يقود الى استنتاج يقضي بأن ادمان الانترنت يقلص من وازع التدين على الأرجح.
فلا يمكن انكار حقيقة زيادة الترويج عبر المنصات الإلكترونية متعددة الجنسيات، والتي تملكها مؤسسات أغلبها لها علاقة بفكرة العولمة والصهيونية، لأفكار غريبة وشاذة ومتمردة على الهوية والمعتقدات كالديانة الاسلامية[2]. على سبيل المثال، لا يمكن إخفاء حقيقة زيادة التسامح مع انتشار خطاب الاسلاموفوبيا على وسائل التواصل الاجتماعي[3] دون اكتراث هذه الأخيرة بذلك.
كما باتت أغلب منصّات التواصل والتطبيقات المختلفة تكثف من استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي لاقتراح مواضيع تتناسب مع اهتمامات المستخدم وتعرض عليه محتويات قصيرة متضمنة أفكار مختلفة من شأنها التشويش على الثوابت الادراكية[4]. كما يتم توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي من أجل زيادة القيام بوظائف بشرية تجعل المستخدم مستسلما للتقنية دون تحمل أي جهد ودون الحاجة للتفكير ومعولاً في كل شؤون حياته على التقنية بما في ذلك التحليل وإصدار القرار المناسب[5]. وبزيادة تعطل قدرة التفكير عند مستخدمي الانترنت بفضل الإدمان على الذكاء الاصطناعي، قد تسلب إرادة البشر وعقيدتهم. وبذلك تنمو الحاجة الماسة لمنابر جديدة لنشر الوعي والتعريف بالعقيدة بأساليب مقنعة وهادفة ومحرضة على التخلص من ادمان التقنية.
بض الدراسات توصلت الى أن البلدان التي تتقلص فيها منابر التوعية والتعريف بالانتماء الوطني والديني وغير المشجعة على ممارسة الشعائر واحياء العادات والتقاليد خاصة لدى فئة الشباب، مثل هذه البلدان، تصنف، كبيئات مرنة لتسلل ظواهر سلبية الى المجتمع كالإلحاد والعلمانية والمثلية والتحول الجنسي وغيرها من الظواهر المرصودة والتي تعرف نموا مستمرا وبشكل علني. فهناك أدلة على تصاعد واضح في العديد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وخاصة بين الشباب لفئة من يصفون أنفسهم بأنهم “غير متدينين”، وهناك مخاوف من ظهور “ربيع الملحدين ومعتنقي الأفكار الشاذة” في المستقبل[6].
ورغم أن هناك دراسات قليلة حول مخاطر الإلحاد في الدول المسلمة، حيث هناك بلا شك العديد من الأسباب لهذه الظاهرة، فإن الإنترنت يُستشهد بها على نطاق واسع أنها السبب المركزي لزيادة انتشار الأفكار المحرضة على عدم التدين. فالدور الذي يلعبه استخدام الإنترنت والتغير التكنولوجي على مستوى المجتمع يسهم في انتشار الإلحاد وفك الارتباط بالإسلام والعقيدة[7]. اذ يكفي لدق ناقوس الخطر فحص كيفية تفاعل المستخدمين المسلمين خاصة من المراهقين مع محتوى مواقع الويب والمنصات التي تنشر أفكار الملحدين وتروج لها.
كيف يؤثر ادمان الانترنت على القناعات الدينية؟
طغت غاية الربح المادية على نشاط ومحتويات منصات التواصل الاجتماعي، حيث بات دافع الربح السريع الحافز الأول للشركات التكنولوجية المطورة لهذه المنصات، والذي بدوره بات هاجس ألاف المستخدمين لهذه المنصات.
حسب تقييم دراسات مختلفة، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي تشكل خطراً حقيقياً يهدد الجانب العقائدي والإيماني للأفراد خاصة منهم أقل من عشرين عاماً. فجزء كبير من المراهقين عبر العالم بصدد فقدان هويتهم الدينية أو التخلي عنها نتيجة أسباب مختلفة بينها تداعيات الثقافة الرقمية.
واستنتج تقييم المركز أن القناعات العقائدية لألاف الشباب والمراهقين العرب والمسلمين على الأرجح أنها قد تعرضت لتأثيرات متفاوتة حسب درجة الإدمان على الانترنت ومواقع الدردشة والتسلية. إذا يزيد احتمال تغيير القناعات الدينية أو التخلي عن الالتزام بالمعتقدات كلما كانت مستويات الإدمان على الانترنت مرتفعة بشكل مفرط. وتعتبر الفئة الأكثر تضرراً هي فئة الأطفال والمراهقين (8 الى 18 عاما) والذين يستخدمون بشكل مكثف ولأكثر من 5 سنوات متتالية منصات الانترنت دون انقطاع ولأكثر من 10 ساعات يومياً[8].
ويمكن تصنيف الإدمان على منصات الانترنت وزيادة التعويل على خدمات الذكاء الاصطناعي بين أهم العوامل الرئيسية المستجدة التي يمكنها أن تحدث تشوها في الإدراك العقائدي والروحي للفرد. حيث تميل المحتويات المروجة على شبكة الانترنت وخاصة منصات التواصل الاجتماعي الى زيادة ربط قيمة حياة الفرد وسعادته بالمحفزات المادية.
ومثلت زيادة اعتماد الشركات المطورة لمنصات التواصل الاجتماعي على محفز التنافس التجاري والربح المادي، خطرا حقيقيا على نوعية المحتوى المتداول والمستهلك على الانترنت. وبزيادة أهمية الحافز المادي، زاد الاعتماد على أساليب الاثارة والايهام، ما عزز مخاطر التضليل والتلاعب وتزييف الحقائق بما في ذلك العقيدة الدينية.
منح منصات التواصل الاجتماعي لكل فرد، الحرية المطلقة، في صناعة محتوى ثقافي أو معرفي أو فكري أو تجاري وترويجه على الانترنت، وفق معايير أخلاقية مزدوجة تحددها فقط الشركات المطورة للمنصات الالكترونية، مسار بات يشجّع الكثيرين من المستخدمين على الانتقال من مرحلة استهلاك المعلومات الى انتاجها وترويجها. لكن المشكلة تكمن في عدم وجود ضوابط صارمة في تقصي حجم المعلومات المضللة او الخاطئة. وهو ما فاقم من خطر التضليل والتحريف.
الاستفادة المادية التي تعرضها الشركات التكنولوجية لمن يستقطب مستخدمين أكثر لهذه المنصة أو تلك ولمن يكسب متابعات للمحتوى المعروض أكثر من غيره وبالتالي تحفيز جمهور نشط أكبر لهذا الموقع أو ذاك، عوامل دفعت المستخدمين لزيادة البحث عن الاثارة والترويج للمختلف والشاذ لاستقطاب المتابعات وجني الربح المادي.
فحافز العائد المادي من المتابعات والشهرة جعل أصحاب ألاف الحسابات التي أنشأت على منصات التواصل للترويج على سبيل المثال لأفكار غير تقليدية وشاذة، ونسق حياة مختلف تلاقي رواجاً أكثر من غيرها[9]. أكثر المنصات التي استقطبت جمهورا واسعا شهد نموا سريعا في فترة وجيزة برزت منصة ” تيك توك”. فمنصة “تيك توك” التي منحت حرية ترويج الأفكار ومحاكاة الأشخاص وأساليب حياتهم الشاذة والمختلفة استقطبت قاعدة جماهيرية واسعة. هذا النمو الجماهيري كان بفضل الحافز المادي التي تعرضه المنصة لصانعي المحتوى. وبات المحتوى الأكثر غرابة هو الأكثر متابعة والأكثر تحقيقا لدخل لصاحبه.
وبالتالي فان منصة “تيك توك” التي يستخدمها جزء كبير من الشباب والمراهقين والأطفال عبر العالم بقصد التسلية، باتت مصدر تأثير سلبي مهم الى جانب عوامل مختلفة أخرى. فملايين المستخدمين، خاصة المدمنين على هذا التطبيق، وبوتيرة استخدام مكثفة ولفترات طويلة في اليوم، باتوا عرضة لتأثير سلبي على صحتهم النفسية والعقلية خاصة المراهقين منهم. فكثرة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي عموماً، باتت تدفع البعض للشك حتى في إيمانهم أو التشكيك في المعتقدات الأساسية[10].
فعلى سبيل المثال، تحذر بعض الدراسات من أن أكثر من نصف المسيحيين (الشباب والمراهقين منهم) قد يتخلون عن ديانتهم خلال نصف القرن المقبل[11]. وذلك لأسباب مختلفة بعضها مرتبط بالتشبع من ثقافة العولمة وادمان الانترنت المحرضة على التحرر من الأديان، وبعضها الآخر متعلق بتداعيات رقمنة الانسان في عصر هيمنة مرتقبة للذكاء الاصطناعي. حيث يروج البعض لقدرة لا محدودة للذكاء الاصطناعي قد تقترن باللاهوتية.
مع زيادة نفاذ الشباب المسلم الى شبكة الانترنت خاصة عبر زيادة امتلاك هواتف ذكية، باتت الانترنت مصدر دخل لألاف الشباب والمراهقين. وان مثل هذا التغيير تحولاً إيجابياً في حياة شريحة واسعة من الشباب خاصة على مستوى تحسن مصادر الدخل والمعرفة وتبادل الخبرات والثقافات والتواصل مع الآخر، الا أن اليقين بالحقيقة تراجع في ظل تنوع مصادر انتاج دفق المعلومات الضخم المستهلك يوميا. فزيادة استهلاك المعلومات الغزيرة والمتنوعة في وقت وجيز من شأنها أن تحدث مع مرور الوقت تصدعاً في القناعات الراسخة وتشكيكا في الحقائق الثابتة حتى تلك المرتبطة بالإيمان والمعتقد الديني، فمثل هذه الثوابت عند البعض بات محل تشكيك.
ومع زيادة ربط الاستفادة من منصات التواصل الاجتماعي بالعائد المادي المحقق من المتابعات، بات جزء كبير من مؤثري الانترنت يتنافسون على صناعة محتوى مختلف ومثير قد ينتهك حتى خصوصية الفرد والعادات والتقاليد. وأغلب المحتوى التنافسي المقدم يركز على الاثارة والاشاعة وربط المعرفة والتسلية وحتى النجاح بالمال. في حين تقلص المحتوى الهادف.
وفي ظل زيادة ادمان المراهقين العرب والمسلمين على منصات الانترنت[12] ينمو معدل المخاطر المترتبة عن ذلك، خاصة تلك المتعلقة بزيادة رصد السلوكيات المضطربة والعدوانية كالانتحار والتنمر مع تصاعد النزعة للعنف والتطرف السلوكي[13].
تجدر الإشارة الى أن الترويج للمحتويات الرقمية المقدمة على الانترنت خاصة تلك التي ينشرها مراهقون وشباب، لا تخضع لميثاق أخلاقي أو قيمي حسب كل بلد، بل تعتمد هذه المحتويات أساسا على أسلوب الاثارة وربح المال كحافز قوي للمتابعة والتفاعل.
وبالتالي فان التأثير المتوقع على المدى المتوسط وعلى جزء من المراهقين سيكون مدمراً، لأن ادراكهم بواقعهم وثوابت هويتهم على الأرجح أن يصبح مشوهاً في ظل زيادة المعلومات المضللة، كما من غير المستبعد احتمال حدوث نوع من التمرد على العادات والتقاليد في المستقبل قد يقوده المراهقون خاصة في البيئات المحافظة اعتراضا على القيود الدينية مثلا، ويكون الهدف المعلن هو التماهي التام مع القيم العالمية المروجة على منصات الانترنت.
2023 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث CSRGULF
المراجع:
[1] Yonatan Tamiru, The Relationship Between Religiosity and Social Media Addiction Among Queens College Students, Addis Ababa, Addis Ababa University, 2021, http://etd.aau.edu.et/bitstream/handle/123456789/32341/Yonatan%20Tamiru.pdf?sequence=1&isAllowed=y
[2] Islam T.Md. (2019). The Impact of Social Media on Muslim Society: From Islamic Perspective. International Journal of Social and Humanities Sciences (IJSHS), 3(3), 95-114, https://dergipark.org.tr/en/download/article-file/891734
[3] Wiktor Soral, James Liu, Michał Bilewicz, Media of Contempt: Social Media Consumption Predicts Normative Acceptance of Anti-Muslim Hate Speech and Islamoprejudice, International Journal of Conflict and Violence (IJCV), https://www.ijcv.org/index.php/ijcv/article/view/3774
[4] How social media is destroying our identity, DECEMBER 15, 2021, https://onepathnetwork.com/how-social-media-is-destroying-our-identity/
[5] Michael Cheng-Tek Tai, The impact of artificial intelligence on human society and bioethics, Tzu Chi Med J. 2020 Oct-Dec; 32(4): 339–343, https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC7605294/
[6] DR. YOSR BEN SLIMA, PROFESSOR STEPHEN BULLIVANT, DR. USAAMA AL-AZAMI, DR. SHOAIB AHMED MALIK , Explaining Arab atheism in the digital age, 2022, study, https://www.explainingatheism.org/research-projects/explaining-arab-atheism-in-the-digital-age
[7] DR. YOSR BEN SLIMA, PROFESSOR STEPHEN BULLIVANT, DR. USAAMA AL-AZAMI, DR. SHOAIB AHMED MALIK , Explaining Arab atheism in the digital age, 2022, study, https://www.explainingatheism.org/research-projects/explaining-arab-atheism-in-the-digital-age
[8] Internet Addiction: How Much is Too Much Time Online?, https://www.webroot.com/us/en/resources/tips-articles/internet-addiction-too-much-time-online
[9] Muhammad Faiz bin Mokhtar, Wan Allef Elfi Danial bin Wan Sukeri, Zulkifli Abd Latiff, Social Media in Propagating Influence on Spreading LGBT Movements in Malaysia, Proceeding of The 5th Conference on Communication, Culture and Media Studies Yogyakarta, 14-16 April 2019, file:///C:/Users/IMED/Downloads/admin,+34+Faiz_CCCMS_2019+fix.pdf
[10] JANET B, Negative Impact of Social Media on Christian Youths & Adults [+ What the Bible Says], OCTOBER 10, 2022, https://janetbengan.com/negative-impact-social-media-on-christian-youths-adults/
[11] DANIEL SILLIMAN, Decline of Christianity Shows No Signs of Stopping, New study projects that the religious identity in the US will drop below 50 percent by 2070, SEPTEMBER 13, 2022, https://www.christianitytoday.com/news/2022/september/christian-decline-inexorable-nones-rise-pew-study.html
[12] Mansour A. Alfaya, and N, N, A, M, A, M, F, Prevalence and Determinants of Social Media Addiction among Medical Students in a Selected University in Saudi Arabia: A Cross-Sectional Study, Healthcare (Basel). 2023 May; 11(10): 1370. Published online 2023 May 10. doi: 10.3390/healthcare11101370
[13] Mashael Rageh Soud Alosfour Alhagry, The emerging manifestations of school violence among primary school students State of Kuwait,
10.21608/JSRE.2019.56537, https://jsre.journals.ekb.eg/article_56537.html?lang=en