– هل تنهي الممارسة الشعبية المباشرة الافتراضية كقوة اقتراح ومعارضة دور البرلمانات في العالم العربي مستقبلاً؟
– تأثيرات الجائحة تدعم رواج فكرة تأييد الأنظمة ذات مركزية القرار
– تشتت جبهة المعارضة التقليدية بعد ظهور معارضة شعبية جديدة
– تراجع قوة تأثير المعارضة البرلمانية الكويتية واكتساح المعارضة الافتراضية
– الممارسة الديمقراطية في الكويت مهددة بالتراجع
– شعبية المعارضة الالكترونية عربياً تقلّص من رصيد شرعية المعارضة التقليدية وأفق نجاح الأنظمة البرلمانية
الكويت، 16 يونيو 2021 (csrgulf): أسلوب معارضة جديد يفرض نفسه بقوة تقوده أفكار شبابية مبتكرة في عدد من الدول العربية قد يتفوق في قدرته على التأثير على أسلوب المعارضة التقليدية داخل البرلمانات ويسرّع من وتيرة انجاز التغيير وتصويب أعمال الحكومة. صعود أسلوب جديد لمعارضة شعبية تلقائية وان يقلق الحكومات الا أنه يقدم لها فرصة اضعاف المعارضة التقليدية النيابية المنظمة داخل المجالس التشريعية.
لكن في الوقت نفسه يمثل تطور أساليب المعارضة الشعبية لسياسات الحكومات بمثابة ناقوس خطر قد يغير مستقبلًا منظومة اتخاذ القرار، لذلك برزت نظرة مقلقة ازاء احتمالات نمو سياسات فرض قيود أكبر على حريات التعبير لاستيعاب افق تطور اساليب المعارضة الشعبية وبمبررات كثيرة أبرزها تقليص مخاطر الفوضى والحفاظ على الأمن القومي والاستقرار بهدف تحقيق وعود التنمية.
ويشهد العالم العربي بوادر مستجدات مقلقة تدفع اليها تداعيات جائحة كورونا تهدد بتراجع مكاسب الممارسة الديمقراطية منذ تحسنها عقب أحداث الربيع العربي. فحسب تقييم مسار تعافي ونمو الدول العربية بعد أكبر أزمة صحية في القرن، تم رصد رواج أفكار مضللة تدعو بشكل خاطئ لتجريم النظام الديمقراطي وتحميله مسؤولية تأخر تنمية الشعوب. حيث يتضح ميل شعبي طفيف في عدد من البلدان العربية لتأييد الأنظمة ذات مركزية القرار بمبرر قدرتها على انجاز التطلعات الشعبية أكثر من الأنظمة المعتمدة على توسيع دائرة اتخاذ القرار وفق المنظومة الديمقراطية وطبيعة العلاقة بين السلطة التنفيذية والتشريعية. ونظرا لزيادة رصد مستويات مرتفعة من التذمر الشعبي في اكثر من دولة بسبب تأخر تحقق التنمية، تم رصد زيادة التدوال الشعبي على منصات التواصل الاجتماعي لمحتوى نقدي لمنظومات اتخاذ القرار خاصة في الأنظمة البرلمانية ووصفها بالمنظومات المشجعة على البيروقراطية والمكبلة لجهود محاربة الفساد ومعرقلة للتنمية، وتم التوصل لهذه النتيجة من خلال تقييم المحتوى لنماذج عشوائية من تحليل البيانات المنشورة لمستخدمين عرب لمنصات التواصل الاجتماعي بين 2020 و2021. كما يتم انتقاد النخب السياسية بمحدودية شفافية وعودها الانتخابية وتضارب مصالحها الضيقة مع الصالح العام. هذا الانتقاد المجتمعي لانقلاب الممارسة الديمقراطية الى معطل لانجاز مطالب شعبية يشجع الأنظمة على ممارسة قيود اكبر على النخب السياسية المعارضة بمبرر تقليص عوائق العمل الحكومي الهادف لتحقيق ازدهار الشعوب.
وحسب تحليل نوعي، خلص بحث لمركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (csrgulf) بعنوان “تداعيات الجائحة على الديمقراطيات العربية” ضمن الجزء السادس من سلسة تقارير حول التحديات السياسية والاقتصادية للكويت، الى تراجع قدرة المعارضة التقليدية التمثيلية في البرلمانات على فرض التغيير والإصلاح بسبب الصراعات المستمرة مع الحكومات في بعض الدول العربية المصنفة بالديمقراطيات الناشئة كتونس والكويت ولبنان بالإضافة للعراق رغم هشاشة النظام الديمقراطي فيها. هذا التراجع تعمقه الصراعات المستمرة بين الحكومات وتيارات المعارضة التقليدية خاصة في ظل تداعيات الوباء.
كما أن نمو ظاهرة ممارسة المعارضة الشعبية الافتراضية غير المنظمة واثباتها لفعّاليتها في سرعة التأثير على صنع القرار تهدد مستقبلاً بتآكل شرعية المعارضة النيابية التمثيلية المنظمة.
تأثيرات الجائحة تدعم رواج فكرة تأييد الأنظمة ذات مركزية القرار
تجد الأفكار المؤيدة لدعم مركزية القرار وتقليص دائرة المشاركة فيه رواجاً خاصة بين فئات شبابية في جزء كبير من الدول العربية وذلك بالنظر لاتجاهات سرعة تعافي ونمو بعض الدول مقارنة بدول أخرى خاصة الأنظمة الديمقراطية العربية التي تعاني بعضها من بطء الخروج من أزمة تداعيات الوباء بسبب الصراعات السياسية والخلاف حول التوافق وأولويات التغيير والاصلاح.
وتم رصد زيادة اعتماد بعض الحكومات العربية خاصة تلك التي توصف بالديمقراطيات الناشئة أو الجزئية لخطاب يحمّل المعارضة السياسية بشكل مبطن مسؤولية التأزيم السياسي وتعطّل أو تأخر اتخاذ القرارات المصيرية بخصوص التنمية أو عملية الإنقاذ من أكبر كارثة إنسانية وصحية يشهدها العالم العربي المعاصر. حيث استفادت بعض الحكومات من زيادة التذمر الشعبي من الصراعات السياسية خاصة بين الحكومة والمعارضة وتعطل وتأخر التغيير والإصلاح، لتقدم تبريرات كافية لتقليص الممارسة الديمقراطية من أجل تسريع قدرة التغيير.
واستفادت بعض الحكومات العربية في الأنظمة الديمقراطية من تراجع مؤشرات التنمية وتعثر الاستجابة السريعة لتطلعات شعبية وذلك بتحميل المعارضة السياسية عرقلة جهود الإصلاح والعمل الحكومي. وقد تراجعت نسبة الأمل الشعبي في التغيير والإصلاح في الأنظمة الديمقراطية بسبب توسع هوة الخلاف بين الحكومات والتيارات السياسية والحزبية والكتل المعارضة التي تشهد تشتتاً أكثر من أي وقت مضى بسبب زيادة عدم انسجام مكوناتها فكريا وأيديولوجيا وغير انسجامها مع تحديات الواقع الجديد واهتمامها بالحكم والإدارة أكثر من الإصلاح.
وتستفيد الحكومات من زيادة التذمر من دور البرلمانات والمعارضة وهو ما يدعم توجها لزيادة التضييق على عمل المعارضين وتوسع الهوة بين الحكومة والمجالس التشريعية على المدى القريب وتفضيل الأنظمة توجيه أولوياتها حسب مراقبة المعارضة الشعبية الافتراضية على منصات التواصل.
الواقع الاخذ في التشكل وغير المفيد لتطور ممارسة المعارضة السياسية داخل البرلمان يبعث بإشارة مقلقة لظهور نزعة لتقليص التعددية السياسية مقابل دعم احياء مسار التفرد بالقرار وتوسيع صلاحيات السلطة التنفيذية بضمانات مستجدة أبرزها ربط العمل الحكومي برقابة شعبية افتراضية مباشرة تضعف من دور البرلمان والأحزاب.
تشتت جبهة المعارضة التقليدية بعد ظهور معارضة شعبية جديدة
في حين نجحت حكومات عربية في تحسين مؤشرات تنموية واقتصادية كثيرة تعثرت حكومات أخرى في تخطي تداعيات وباء فيروس كورونا covid19 بسبب اختلاف رؤى صناع القرار وتداخل صلاحيات المؤسسات وتشتت أولويات القرارات والإصلاح المطلوب. ومثّل تعثر أو بطء اتخاذ القرارات المصيرية في بعض الدول فرصة تستفيد منها السلطة التنفيذية لزيادة اظهار المعارضة السياسية والتمثيلية في البرلمان بالجبهة المعطلة للتغيير الشعبي المنشود. ولعل تونس والكويت أبرز مثال على ذلك.
وبشكل عام تستفيد أنظمة عربية كثيرة من تشتت جبهة المعارضة التقليدية بسبب ظهور أساليب معارضة جديدة. اذ أسهمت في تجزئتها وانقساماتها منصات التواصل الاجتماعي التي باتت تعبر عن جبهة معارضة شعبية افتراضية غير مألوفة، انفعالية، ومستقلة تضعف تدريجياً من زخم تأثير دور حركات المعارضة المنظمة التقليدية المنضوية في إطار العمل الحزبي أو الجمعياتي.
وفي ظل زيادة الاقبال الشعبي خاصة بين المراهقين والشباب أو النخب المثقفة على طرق التعبير الافتراضي عن معارضة الفعل الحكومي بشكل تلقائي ولحظي ومباشر ومستقل على منصات التواصل الاجتماعي، نجحت بعض المبادرات الشبابية على وجه الخصوص من فرض تغيير لقرارات حكومية أو اثارة ردود فعل ازاء عدد من القضايا، أمر ساعد على تسريع التدخل التشريعي والحكومي من أجل الإصلاح. وباتت مبادرات الإصلاح التي تفرضها المعارضة الشعبية الافتراضية على منصات التواصل تستبق مبادرات الإصلاح التي تقترحها الكتل النيابية خاصة المعارضة.
في الأثناء يتم رصد ملامح تراجع لقوة المعارضة المنظمة داخل البرلمانات ليبدأ دورها في تسجيل ضعف على مستوى قدرة التأثير على تغيير السياسات الحكومية. اذ باتت المعارضة تلاحق مسار التفاعل الشعبي الافتراضي إزاء القضايا التي تتغير أولوياتها حسب نسق التفاعل الالكتروني الذي بات بين أبرز معايير استطلاع وقياس الرضا الشعبي عن اداء الحكومات والبرلمانات والشخصيات السياسية.
تراجع قوة تأثير المعارضة البرلمانية واكتساح المعارضة الافتراضية: الكويت نموذجاً
يستنتج البحث تراجع قدرة الأحزاب أو الشخصيات السياسية الممثلة للمعارضة على التأثير في عملية الإصلاح أو تقويم سياسات الحكومات أو انجاز تطلعات شعبية. في الوقت نفسه يتم رصد زيادة التأثير الشعبي غير المباشر على سياسات الحكومات في اغلب الدول العربية.
في منطقة الخليج، بينما تقدمت دول خليجية في مسار التنمية والإنقاذ وإنجاز المشاريع واستشراف حياة أجيال المستقبل، تستمر نهضة الكويت في مواجهة عوائق الصراع السياسي بين الحكومة والمعارضة، وهو ما عطل قوة الدفع والتطوير. وتحفز مقارنة مسارات الإنقاذ والتنمية وضمان الرفاه بين دول الخليج بروز تيار شعبي يؤيد تقليص البيروقراطية وتأثيرات الصراع السياسي والقفز على أسباب بطء اتخاذ القرارات المصيرية والإصلاح. ولتذليل هذه العوائق باتت تظهر قوة شعبية افتراضية تمارس دور المعارضة والرقابة الانية للتأثير في سرعة اتخاذ القرار وقد تتجاوز قدرة على التغيير بشكل غير مباشر دور الكتل السياسية في البرلمان، حيث تهيمن رغبة تطوير الكويت ومنافسة بقية الدول الخليج على أولوية تطلعات شريحة الشباب والمثقفين الكويتيين.
فرغم استمرار رموز المعارضة الكويتية التقليدية في لعب محرك أساسي لزخم المعارضة الشعبية المباشرة والافتراضية، الا أن هناك مسار يقوده شباب ومثقفون مستقلون وغير متحزبين على منصات وتطبيقات التواصل الاجتماعي. هذا المسار يستفيد من تراجع الثقة في النخب السياسية ويفرض تدريجياً معارضة جديدة للحكومة من خلال زيادة مبادرات شعبية تحمل ردود فعل لحظية تتبنى شعارات تصحيح سريع لأخطاء الحكومة والمجلس. هذه المعارضة بدأت تلاقي رواجاً تدريجياً على منصة “تويتر” بشكل خاص ومنصات أخرى مستحدثة كمنصة (Clubhouse)، حيث زاد عدد المستخدمين وعدد الحسابات التي تتداول انتقاد ومراقبة الأداء الحكومي والبرلماني وتنظيم حملات معارضة افتراضية للضغط السريع من أجل التأثير على قرارات الحكومة والمجلس وذلك من أجل تسريع وتيرة الإصلاح الذي عطّله الصراع المزمن بين الحكومة والمعارضة والمجلس. وبالتالي يتضح تدريجياَ مسار شعبي يستلهم من تجارب عربية وعالمية وهو آخذ في التصاعد يتبنى ممارسة مهمة المعارضة والرقابة الشعبية المباشرة من خلال ممارسة التعبير والانتقاد غير المباشر لأداء الحكومة ويُمكّن من تذليل العقبات البيروقراطية التي تواجهها المعارضة التقليدية داخل المجلس التشريعي.
زيادة انتقال وسائل الاعلام التقليدي لمنصات التواصل الرقمية واعتمادها نوعية جديدة من الاعلام الاستقصائي واستطلاع ردود الفعل اللحظية واثارة قضايا حساسة من أجل الاقتراب أكثر من المواطن كلها عوامل سهلت رواج ممارسة المعارضة الافتراضية وتحفيز سرعة التغيير. هذا الانتقال عزز قوة تأثير ردود فعل الكويتيين على منصات التواصل في صنع القرار. وقد استفاد هذا الانتقال الإعلامي الرقمي من الطفرة الكبيرة في عدد المستخدمين للأنترنت في الكويت وذلك بهدف التحسيس أكثر بأولويات قضايا المواطن الكويتي. وقد تجاوزت نسبة استخدام الانترنت ومنصات التواصل الاجتماعي نحو 98 في المئة بين سكان الكويت حسب تقرير من منظمة الباروميتر العربي في نهاية 2020.
وتركز الدراسة على تقييم قوة تأثير المعارضة في الكويت كنموذج للديمقراطيات الجزئية في العالم العربي. وتشهد الممارسة الديمقراطية في الكويت احتمالات تحولات قد تكون جذرية. حيث يمكن استنتاج أن دور التأثير الشعبي غير المباشر في الفعل الحكومي يتسع عبر منصات التواصل الاجتماعي. فباتت جبهات معارضة شعبية غير منظمة أو منسجمة افتراضية وتفاعلية تلقائية يقودها أشخاص مستقلون عاديون أو سياسيون معروفون أو مؤثرون أغلبهم من فئة الشباب، وتعكس هذه الجبهات نسبة من ردود فعل شرائح شعبية ازاء قرارات حكومية تتخذ شكل مبادرات فردية أو جماعية لرفض قرارات حكومية او دعم لإصلاحات فورية تحفزها قضايا آنية فضلاً عن زيادة رصد مبادرات انشاء صفحات متخصصة وقتية لإثارة قضايا معينة أو زيادة الاقبال على المبادرات الفردية او الجماعية لتنظيم دعوات للاحتجاج في حال تعنت الحكومة عن التغيير أو الإصلاح.
ومنذ انتخاب مجلس الأمة الكويتي الحالي وما أفرزه من تركيبة نيابية غير متجانسة وموجة انتقاد لطريقة انتخاب رئيس المجلس مرورا بالاعتراض على ابطال عضوية أحد نواب المعارضة وصولاً الى مطالب لعزل رئيس المجلس وأخرى مطالبة باستقالة الحكومة نظير ضعف ادائها توازيا مع توقع زيادة ممارسة حق الاستجواب، تواجه الحياة السياسية في الكويت اما استقرار سلبيا او جمودا مؤقتا.
تنضاف الى كل هذه المؤشرات تعثر حسم قضايا خلافية كثيرة مرتبطة بأولويات المواطن الكويتي. وبسبب انعدام الثقة بين المؤيدين للحكومة والمعارضة، وتعثر التعاون بين السلطتين، زاد رصد ميل شعبي لرفض أعمال الحكومة أو مجلس الأمة عبر اثارة ردود فعل شعبية افتراضية باتت تفرض قوة تأثير تسهم في تصويب أعمال الحكومة التي بدورها باتت لا يمكنها ان تنكر زخم هذه المعارضة الجديدة وتضطر أحيانا للاستجابة لبعض المطالب بسرعة تفوق في بعض الأحيان سرعة وتيرة تأثير دور المعارضة السياسية التقليدية في المجلس. وباتت بعض الشخصيات السياسية تعدل مواقفها حسب ميولات ردود الفعل الشعبية الافتراضية. اذ تعزز منحى فرض التغيير المباشر بدون انتظار دور المعارضة المكبل بالبيروقراطية الإجرائية وتكتيكات الحكومة.
ورغم القيود المفروضة على حريات التعبير السياسي على منصات التواصل الاجتماعي بموجب قانون الجرائم الإلكترونية، أصبح الشارع الكويتي يسبق تحركات نواب المجلس ويشكل قوة ضغط على الحكومة.
على صعيد آخر، يؤثر الخلاف المزمن بين المعارضة والحكومة في تعطيل او ابطاء انجاز المشاريع والإصلاح، وهو ما يقود في النهاية لزيادة رصد مشاعر الإحباط الشعبي المرصود عبر منصات التواصل إزاء تأخر تلبية المطالب الشعبية المتسبب في أزمة الثقة في النخب السياسية.
الى ذلك عمقت انقسامات تيارات المعارضة في تهميش دورها ووصفها بالكتل المعطلة. في المقابل تم رصد زيادة تداول خطابات وتصريحات سياسية تحمّل المعارضة ومواقفها مسؤولية تعطيل التوافق المنشود والتسبب في تأخر اتخاذ القرارات الحاسمة من خلال زيادة التسبب في تعطيل العمل الحكومي. وكاستنتاج عام بات المواطن الكويتي يتجه للانسجام مع واقع التأزيم والبحث عن افق حلول أخرى ويتجه للتأثير في اعمال الحكومة بطريقة مبتكرة. حيث زاد الاقبال الشعبي خاصة من فئة الشباب على اقتراح مبادرات شعبية تلقائية لفرض رغبة التغيير على الحكومة عبر حملات معارضة الكترونية. كما نجحت بعض الحملات التي قادها مؤثرون في تصحيح اعمال او قرارات حكومية لعل أبرزها الضغط على تشديد عقوبة التحرش وتخفيف عقوبة أصحاب الراي.
هل ينحرف المسار الديمقراطي في الكويت؟
رغم تحسن طفيف لمؤشر الممارسة الديمقراطية في الكويت في 2021، الا انها مهددة بالتراجع او الانحراف عن مسارها بسبب زيادة الضغوط الحكومية. حيث أن تطور الديمقراطية ينحي مسارا متعثرا ويعتمد على معايير غير مشتركة بين جميع المؤسسات والأفراد، حيث يستمر وجود تباين في الالتزام بمعايير الديمقراطية وتطبيق القوانين والمساواة أمامها.
وفي ظل تباين تطبيق الممارسة الديمقراطية هناك مخاوف مقلقة من زيادة التصادم وتضارب المصالح بين المؤسسات. اذ يتم رصد استمرار محدودية استيعاب وتطبيق الجانب الإيجابي من الديمقراطية على مستوى الإدارة والمؤسسات الكويتية خاصة على مستوى اتخاذ القرار الذي يصطدم بعائق البيروقراطية والفساد.
وقد زادت الخشية والريبة الحكومية من تطور أهداف المعارضة ورغبتها في فرض تطلعاتها الإصلاحية. ولمحاولة السيطرة على تطور عمل المعارضة، تستفيد الحكومة من تراجع مؤشرات التنمية المستقبلية من أجل اقناع الرأي العام بأن الممارسة الديمقراطية في شكلها الحالي محفزة للفوضى ومعطلة للإصلاح والتنمية ودافع لتراجع التطور والازدهار، ومقابل ذلك يتم الترويج لبراغماتية التنمية الحكومية التي تشترط الحد الأدنى من المعارضة وتأييد توجهات الحكومة من أجل تحقيق الأهداف الشعبية.
وعموما في العالم العربي بات تتضح معالم مسار سياسي يجرم المعارضة أو يحمّلها عوائق التنمية وانحرافات المسار الديمقراطي. وحسب تقييم أولي قام به مركز CSRGULF، فانه ضمن دول عربية تسمح بالممارسة الديمقراطية بشكل كامل أو جزئي، انخفض مؤشر التسامح الحكومي في الكويت مع الأنشطة والفعاليات المعارضة.
شعبية المعارضة الالكترونية عربياً تقلّص من رصيد شرعية المعارضة التقليدية وأفق نجاح الأنظمة البرلمانية
منذ 2020، تسهم زيادة القيود على التنقل والتجمعات التي تفرضها السياسات الوقائية من الجائحة في زيادة الاقبال على استخدام منصات التواصل الاجتماعي حيث شهدت ارتفاعاً لحجم المعلومات التي يتم نشرها ومشاركتها عبر الأفراد تعبيرا عن رفض سياسات حكومية أو انتقاد لشخصيات سياسية في علاقة بقضايا آنية تفرضها تداعيات الجائحة بصفة خاصة.
وقد أسهم رصد زيادة ردود الفعل الشعبية المنتقدة لأعمال الحكومة والبرلمان في دول عربية وأجنبية على منصات التواصل الاجتماعي في اضعاف زخم المعارضة المنظمة. هذا المسار تستفيد منه أنظمة وحكومات عربية في تعميق انقسامات حركات المعارضة النيابية والحزبية والتسويق لتناقض ومحدودية واقعية حلولها. كما تستغلّ بعض الحكومات في العالم العربي ظروف الجائحة من أجل اقناع الرأي العام بأن الديمقراطية عامل معطل للازدهار، وهو ما قد يعتبر مؤشرا خطيرا على توقع انخفاض مستمر لتطور الثقافة الديمقراطية مستقبلاً بين الأجيال الحالية والجديدة في العالم العربي.
وحسب تحليل نوعي لمضمون شريحة مختارة من مستخدمي التواصل الاجتماعي في العالم العربي وبطريقة عشوائية في فترات مختلفة في 2020 والثلث الأول لعام 2021، وبالاعتماد على دراسة دور مكونات المعارضة في اتخاذ القرار، يمثل دور المعارضة الذي يمكن وصفه بالضعيف في تحقيق التنمية في بعض الدول دافعاً هاماً ومباشراً في النهاية لجزء من الرأي العام الشعبي العربي لتأييد خيار تضييق دائرة صنع القرار من أجل تقليص عوائق عدم الانسجام بين صناع القرار وضمان سرعة اتخاذه وتحقيق الأهداف المرجوة منه وتقليص البيروقراطية في نهاية المطاف.
ويدفع ارتفاع حدة الخلافات بين المكونات السياسية الحزبية البرلمانية في الديمقراطيات العربية الناشئة لزيادة نمو مشاعر الإحباط الشعبي إزاء مستقبل الأنظمة البرلمانية وضعف قدرة المعارضة المنظمة على انجاز المطالب الشعبية. حيث يؤثر تعطل العمل الحكومي وتعثر المشاريع بسبب الخلافات الحكومية النيابية في بروز تحد مقلق يتمثل في وجود تيار شعبي يكمن رصد آرائه على منصات التواصل الاجتماعي يصور المجالس التشريعية الديمقراطية كمعطل للتنمية، حيث ان زيادة الانقسامات بين الرؤى النيابية المعارضة تسهل من نمو خطاب العزوف عن المعارضة المنظمة داخل المجالس التشريعية واستبدالها بمعارضة شعبية افتراضية غير منظمة على منصات التواصل الاجتماعي قد تتحول الى الإعلان عن نفسها في الشوارع عبر الدعوة للتظاهر وقد تكون مؤثرة في صنع القرار ومحفزة للتغيير المنشود اكثر من واقع المعارضة النيابية المنقسمة على نفسها بسبب اختلاف الأولويات وتضارب المصالح والانقسامات الحادة ومحاولات استيعابها من الحكومات.
ويتمثل أكبر تحد للمعارضة النيابية أن يتم تهميشها لصالح المعارضة الافتراضية الشعبية التي قد تفرض ميزان قوى جديد وواقعا مختلفا ومركز ثقل مؤثر في العلاقة بسياسات الحكومات وانتقادها ومعارضتها وتصحيحها.
اذ تم رصد تراجع آليات تطور ثقافة الممارسة الديمقراطية في المجتمعات العربية بعد تسجيل تراجع كبير لأنشطة وتظاهرات ومنشورات منظمات المجتمع المدني وحركات المعارضة الحزبية أو المستقلة في العالم العربي منذ 2020 وخاصة في ظل قيود الجائحة. في المقابل زاد اعتماد وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير غير المنظم عن الآراء وانتقاد الحكومات وسياساتها، الا أن فاعلية مثل هذه الوسائل وان تؤثر على أصحاب القرار الا أنها لم تحسن الممارسة الديمقراطية لا في المؤسسات او المجتمع.
في الأثناء، بدأ يتضح مسار مجتمعي عازف عن دعم الحياة الديمقراطية وداعم لتقليص المشاركة في صنع القرار بهدف تسريع انجاز الوعود والمشاريع وعدم تعطلها بعائق بيروقراطية الديمقراطية الناشئة والتي لم تنجح في تحسين مؤشرات مقاومة الفساد وإرساء دولة المؤسسات والقانون.
وتشكو المعارضة في الوقت نفسه من شدة الانقسام واختراق الأنظمة لها من أجل استيعابها، كما تفتقد الى حلول براغماتية قابلة للتطبيق حيث ظلت مقترحات أغلب أطياف المعارضة في الدول العربية شعبوية وطموحة جدا وغير قابلة للتطبيق في بيئة محدودية وعي مجتمعي بالممارسة الديمقراطية فضلا عن كونها طبقية ومتناقضة مع منظومة مصالح محلية ودولية.
وحسب دراسات مختلفة في فقه السياسة فان الممارسة الديمقراطية تقتضي وجود اختلاف في الرأي في إدارة شؤون البلاد داخل دولة القانون والمؤسسات. هذا الاختلاف الهدف منه توسيع دائرة المشاركة السياسية في اتخاذ القرار، الا أنه قد يتحول الى خلاف مزمن يعطل عمل الدولة والتنمية والتقدم مالم يتم الاتفاق بين الأطراف السياسية المختلفة على معايير مشتركة للحوار تقتضي تقديم تنازلات من جميع الاطراف السياسية ويكون الهدف الموحد خدمة الصالح العام والوطن.
الا أن الممارسة الديمقراطية في عدد من الدول العربية ماتزال تمنح كمنّة من الدولة وليس كاستحقاق، حيث تستمر بيئة تطور الثقافة الديمقراطية ضعيفة في المجتمعات ومقتصرة على النخب، وهو ما يقود الى محدودية وعي الافراد وقاعدة المجتمع بالسلوك الديمقراطي. اذ يختلط فهم الممارسة الديمقراطية عند شريحة محدودي التعليم بالفوضى والتعبير العنيف والصدام مع السلطة.
2021 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (CSRGULF)