- تداعيات الجائحة، الانسحاب الأمريكي من المنطقة، التطبيع مع اسرائيل، تغيرات سوق الطاقة، تقارب رؤى مشاريع التنمية، عوامل تزيد من احتمالات التنافس غير المتساوي على القوة و القيادة الاقليمية في المدى المتوسط
- عدم تساوي توزيع حصص النفط قد ينقلب الى عامل انقسام خليجي
- محدودية آلية التنسيق الجماعي بين السياسات تهدد طموحات وحدة الخليج
- اختلاف رؤية التعافي من جائحة كورونا يهدد منظومة التعاون الجماعي الخليجي
- مستقبل التنافس النفطي والتجارة البينية والأمن المائي والغذائي: عوامل محتملة لخلافات قد تتحول الى صراعات في منطقة الخليج
- محدودية تساوي الفرص بين دول الخليج لتحقيق موارد غير نفطية قد تخلق تنافساً غير عادل ينتهي باحتمالات خلافات بينية
الكويت، 18 يوليو 2021 (csrgulf): غيرت الجائحة ترتيب عوامل التهديد المحتمل قريب ومتوسط المدى بالنسبة لدول الخليج. وتدفع ضرورة إيجاد خطط بديلة للتعافي خارج حسابات التعويل على النفط دول الخليج الى المزيد من التنافس الاقتصادي، الا أن أفق التنافس غير متساوية مستقبلاً في حال اقصاء عامل الثروات النفطية المشترك.
وتعاني دول الخليج بشكل متباين وغير متساوي من تداعيات الجائحة على المدى المتوسط، حيث لا تتوفر فرص متساوية للتنمية غير النفطية مستقبلاً، ما يجعل توزيع حصص بعض الدول الخليجية على مستوى التجارة البينية مختل جدا.
وحسب تقرير لمركز CSRGULF حول تداعيات جائحة كورونا وفرضيات زيادة التنافس على القيادة الاقلمية في العالم العربي، فقد يدفع بحث الحكومات عن تأمين موارد غير نفطية لتمويل مستقبل التنمية في مرحلة ما بعد الوباء الى تشكل ميزان قوى مختلف بين دول الخليج يحتم استشراف تحالفات بينية وخارجية قد تكون متناقضة وتدفع لاحتمالات التصادم. ويعتبر مستقبل التنافس النفطي والتجارة البينية والأمن المائي والغذائي أبرز عوامل تشكل احتمالات خلافات قد تتحول الى صراعات مالم يتم إيجاد آلية لتنسيق السياسات واستشراف الازمات وحلها بشكل جماعي.
وتثبت الدراسات أن إيران لم تعد عنصر التهديد الأول لاستقرار الأمن القومي الخليجي ولوحدة دول مجلس التعاون، اذ صعدت عناصر تهديد أخرى في ترتيب التهديدات المحتملة لمستقبل أمن وازدهار شعوب دول الخليج على المدى المتوسط والبعيد.
واستنادًا إلى الحسابات العقلانية والمصلحة الذاتية، فإن زعزعة استقرار منطقة الخليج الجزء الأكثر استقرارًا في العالم العربي أمر غير مرغوب فيه وغير مستدام. كما أنه جعل البحث عن طرق جديدة لتحسين العلاقات بين الخصوم التي تقلل من مخاطر احتمالات الصراع أكثر أهمية من أي وقت مضى.
وتتمثل أبرز التهديدات المستجدة في توقع ارتدادات سلبية لزيادة التنافس المحموم بين دول المنطقة على الزعامة والقيادة الإقليمية الاقتصادية والديبلوماسية، وثانياً توقع توسع دور إسرائيل في منطقة الخليج في ظل توقع انسحاب أكبر للوجود الأمريكي من المنطقة والذي سيحمل ارتدادات سلبية على منظومة التعاون الجماعي ويهدد بإضعاف مستقبل الوحدة الخليجية التي ان تشكلت قد تصبح قوة تتوجس منها كل من إسرائيل ودول الجوار أبرزها إيران وتركيا.
ومالم يتم تفعيل التكتلات العربية كجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي واتحاد المغرب العربي وتعزيز منظومة معايير مشتركة لتنسيق جماعي للسياسات والتعاون وحل النزاعات، فقد تواجه الدول الخليجية والعربية احتمالات صراعات إقليمية على القيادة والزعامة عل المدى المتوسط.
وتدفع تحديات خطة الانسحاب الأمريكي التدريجي من منطقة الشرق الأوسط والخليج ودخول إسرائيل في مسار تطبيع علاقات مع دول عربية وخليجية- وهو مستجد لا يحظى بالإجماع العربي- الى زيادة حساسية العلاقات بين الدول العربية في ظل غياب تفعيل حقيقي لتعاون مؤسسي يضمن رؤية مشتركة للمصالح ومبدأ توافقي لحلّ الخلافات والنزاعات ضمن مؤسسات إقليمية ذات سيادة. ويفترض اصلاح المنظمات الاقليمية العربية دعم زيادة علوية سيادة المنظمات لضمان الزامية قرارتها. حيث أن مرحلة ما بعد الجائحة تقتضي تفعيلاً جماعياً أكبر للتعاون الإقليمي لمواجهة تهديدات وجودية ضخمة مشتركة كالأمن الغذائي والمائي والصحي والاقتصادي.
وعلى خلفية تنافس محمود بين دول الخليج لتعزيز التنمية المستقبلية وحسن استثمار الموارد والفوائض النفطية المتجهة للتراجع على المدى المتوسط، تنشأ المزيد من التناقضات الناشئة عن تطبيق سياسات متناقضة واستراتيجيات ديبلوماسية مختلفة أخذة في عين الاعتبار حسابات وطنية من اجل الريادة وطموحات بالتأثير الاقليمي.
بسبب التناقضات الناشئة عن تطبيق السياسات المتناقضة في وقت واحد، تكتسب جهود تنسيق الدبلوماسية الخليجية أهمية كبيرة كأداة موازنة لمستقبل السياسات الاستراتيجية. وتثبت دراسة الحالة للسياسات الإقليمية الخليجية صعود تنافس في مجالات مختلفة أبرزها الديبلوماسية من خلال الوساطة في السياسات الداخلية والخارجية والمساعدات[1]. ويتم تسخير وسائل الاعلام للترويج للريادة والقيادة الإقليمية.
من خلال تحليل أزمات النفط والتهديد الإيراني والتطبيع مع اسرائيل والخلاف مع قطر والحرب في اليمن، اتضح أن استراتيجيات الدبلوماسيات الخليجية حاولت بشكل متفاوت التأثير على الجماهير والراي العام الدولي وخاصة الولايات المتحدة لكسب التأييد لسياساتها. وتتفق الدراسات بأن الدبلوماسية العامة أصبحت أداة حيوية بشكل متزايد للقوى الإقليمية والدول الطامحة للقيادة.
وإزاء قضايا مختلفة خدمت الدبلوماسية السعودية على سبيل المثال صورة المملكة كبلد جدير بالقيادة الإقليمية واستراتيجية الهيمنة بالنظر لتوسع قدرتها العسكرية وقوتها الاقتصادية وشبكة العلاقات الإقليمية والدولية والتي تنمو خاصة من بوابة الاستثمارات والمساعدات، وهو ما يساعد في إيجاد حلفاء دائمين، مع سباق خليجي محموم على كسب أكبر حجم من الدعم الحيوي العربي والدولي وتوسيع نطاقه من الجهات الفاعلة خارج المنطقة وأهمها الولايات المتحدة الأمريكية. الأمر ذاته ما سعت اليه كل من الامارات وقطر وحتى عمان والكويت لكن مع اختلاف الأهداف والسبل، حيث تطمح الكويت على السبيل المثال للريادة في سياسات الوساطة والإغاثة الإنسانية، بينما تسعى سياسات عمان أيضا لنفس الهدف الكويتي لكن ما تحفظ كبير وخيار الديبلوماسية الهادئة، لكن يبدو التنافس محموما بين السعودية والامارات وقطر على مستوى كسب صناعة الديبلوماسية الخارجية وتوسع النفوذ.
الا أن أزمة قطر وحلّها شكلياً العام الماضي أثبت الدور الريادي للملكة العربية السعودية بدعم مبادرة الوساطة الكويتية في حل الأزمات وضع معايير التنافس ومحاولة عدم فقدان السيطرة عليه، حيث تستمر بقية دول الخليج تنظر للمملكة كراعٍ لأمن المنطقة وكمركز ثقل جيوسياسي وامتداد جغرافي هائل وقوة اقتصادية وعسكرية ورمزية توحيد أيديولوجي للمسلمين. وتثبت قيادة المملكة للحلف العربي والخليجي لإنهاء الصراع في اليمن مكانة السعودية في القيادة الإقليمية. لكن هذا لا يمنع من تنافس مستمر بين الدول الخليجية على الريادة في قطاعات مختلفة. الا أن مستقبل التنافس يبقى منعزلاً عن التنسيق الجماعي والذي قد يصبح تنافساً على قيادة الخليج. اذ تسارعت خطط دول الخليج لامتلاك مقومات القوة الاقتصادية والعسكرية وقد يبرر السباق على التسلح وانشاء مشاريع اقتصادية عملاقة هذه المخططات الحالمة.
نماذج تنمية مستقبلية مختلفة قد تثير تناقضات وتنافساً محموماً
تدفع نماذج التنمية المستقبلية الخليجية المتقاربة الى زيادة توقع التنافس بين الدول الخليجية واحتمالات تصادم مستقبلي، الأمر الذي قد يكون مقدمة لاحتمالات تصدعات وخلافات مشتركة قد تتعمق في السنوات المقبلة مالم يتم علاجها بإصلاح هيكلي وجذري لمبدأ التفاوض وحل النزاعات داخل المنظومة الخليجية. فبتقلص تمثيلي محتمل في المدى المتوسط لتواجد الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط والخليج خاصة أنها الحليف التاريخي المشترك للدول الخليجية والذي يلعب دوراً استراتيجياً في التنسيق بين رؤى دول الخليج وسياساتها، قد تنشأ الكثير من المتناقضات والاختلاف بين بلدان مجلس التعاون، ومالم يتم استشرافها في ظل منظومة مجلس التعاون الخليجي، فقد تقبل دول الخليج على مستقبل يشهد انقسامات أكثر من اليوم وقد تجد نفسها في صراع المصالح.
تنافس نفطي
عدم تساوي حجم تداعيات جائحة فيروس كورونا على دول الخليج يجعلها تكافح من اجل التعافي[2] وقد تتنافس وتختلف في صياغة خطط التعافي ولنمو لمرحلة ما بعد الوباء، حيث أن هناك تباين في اختلال الموازنات المالية لحكومات الخليج، وهذا التباين قد يدفع دولا عن غيرها لاختيار أولويات قد تختلف عن أولويات حكومات أخرى خاصة فيما يتعلق بالموارد النفطية، اذ أن بعض الحكومات تعاني من عجز متراكم وتسعى لزيادة سقف سعر تعادل سعر البرميل في موازناتها المالية، وذلك بهدف لتأمين موارد أكبر، مثل هذه الأهداف قد تتعارض مع سقف الإنتاج والأسعار المفروضة من منظمة أوبك، وهو ما جعل الامارات في الآونة الأخيرة على سبيل المثال تقدم على الاعتراض على الحصص المفروضة على الدول المنتجة وتسعى لرفع سقف الإنتاج بدافع رغبة تأمين موارد اكبر وهو امر قد تسعى اليه دول أخرى. ويبرز خلف التصعيد في أوبك تزايد المنافسة في الخليج[3].
وأنفقت دول الخليج وان بشكل متباين حجم كبيرا من ميزانياتها على توسيع حجم انتاج الطاقة وهو يدفعها لرغبة الاستفادة من المشاريع الطاقية قبل بداية استشراف أفول عصر النفط في افق 2040. وفي هذا الصدد تسعى الإمارات وراء خطط طموحة لتوسيع وتحديث اقتصادها، بما في ذلك إنفاق المليارات على صناعة الطاقة. في نهاية المطاف، كان من المحتم أن تصطدم هذه التطلعات بتطلعات جارتها القوية، المملكة العربية السعودية، حيث يحاول كلا البلدين التأهب للتغييرات في إنتاج الطاقة ومجالات أخرى من اقتصاداتهما في السنوات المقبلة.
الى ذلك قان المشاريع الاقتصادية الكبرى لدول الخليج والتي تتسم بالتماثل في الأهداف بالنظر لتشابه بيئات دول الخليج والمتمثلة في انشاء مناطق اقتصادية وتجارية وسياحية ذكية والتعويل على دعم قطاع السياحة والأعمال وجذب الاستثمار الخارجي في عصر ما بعد النفط، وهو مسار يحتم أيضا التنافس بين دول الخليج.
التنافس الخليجي بدأ يبرز بقوة في توزيع حصص النفط بين الدول المنضوية داخل أوبك. ونتيجة دخول منتجين جدد للنفط خارج المنظمة، بدأت بعض دول الخليج خاصة محدودة الإنتاج التفكير جدياً في الخروج من المنظمة وفك الارتباط بسقف الإنتاج التي تفرضه حيث لا تجد مصلحة في تخفيض انتاجها بينما يزيد انتاج وصادرات دول خارج المنظمة. ومثل هذا التوجه قد يتعارض مع توجهات أكبر منتج للنفط عالميا وهي المملكة وهي الركيزة الرئيسية في منظمة أوبك. حيث سبق لقطر إعلانها الخروج من المنظمة بينما تعلن الامارات بدورها عدم استفادتها من سقف الإنتاج المفروض من أوبك.
وقد مهد انسحاب قطر من منظمة أوبك فرضية مبادرة دول أخرى على اختيار نفس النهج المنتقد لسياسات المنظمة وتعارضها مع مصلحة بعض الدول حسب زعمها. وهو رد استراتيجي على الظروف المتغيرة لسوق الطاقة العالمية.
ولاحقاً في الخامس من يوليو من العام الجاري تبلورت أزمة جديدة بسبب عدم توافق خليجي-خليجي حول سياسات سقف الإنتاج، حيث تم إلغاء اجتماع “أوبك بلس” بسبب اعتراض الامارات على اتفاق بشأن تمديد اتفاق بين روسيا والسعودية على تخفيض سقف الإنتاج حتى نهاية 2022، وهو موقف أثار حساسية في العلاقات السعودية الإماراتية الراسخة، لترد المملكة بقرار يتعلق بتنظيم عمليات الاستيراد من دول الخليج، بحيث لا تعتبر المنتجات الخاصة بالمناطق الحرة ذات منشأ محلي، أو التي تستخدم مكونا إسرائيليا، وهو ما يعيق الصادرات الإماراتية للسعودية. وتفيد الإحصاءات السعودية أن التبادل التجاري السنوي السلعي غير النفطي بينها وبين الإمارات بلغ 17.8 مليار دولار في عام 2019، كما تتمتع الإمارات بالاستحواذ على ثلثي التجارة السلعية غير النفطية البينية للسعودية مع دول الخليج.
التنافس المحمود بين السعودية والامارات على القيادة في بعض المجالات ليس جديدا بل يعود لسنوات ولعل اختلاف الرؤى بين البلدين حول احتضان البنك المركزي الخليجي ضمن مشروع العملة الخليجية النقدية الوحدة يبرهن على سباق الدولتين على النفوذ الاقتصادي بالمنطقة والحصول على دور ريادي بين بلدان الخليج. ومثل هذه الخلافات عادة ما يتم حلها بالحوار الخليجي الخليجي على مستوى الزعماء، لكن يبقى الاختلاف حول معايير مشتركة تنظم التنافس خاصة على مستوى الديبلوماسية أحد أهم التحديات المستقبلية التي يمكن ان يتم حلها داخل مؤسسة مجلس التعاون في حال زيادة صلاحياتها.
الحاجة لإطار إقليمي جديد لتنسيق السياسات وللمفاوضات بين دول الخليج
تبرز حاجة لدعم إطار إقليمي جديد للمفاوضات بين دول الخليج. حيث ان اختلاف الرؤى المستقبلية لكيفية التعامل مع القوى الإقليمية الأخرى مثل إيران وتركيا وإسرائيل قد يثير مزيد من الانقسامات والتحالفات المضادة التي قد تؤدي الى انهيار منظمة مجلس التعاون الخليجي.
مثل هذا الإطار ضروري الآن أكثر من أي وقت مضى. اذ يؤدي أي انهيار لمجلس التعاون الخليجي لتزايد التوترات بين إيران والمحور السعودي الإماراتي. الى ذلك قد يتسبب غياب تنسيق السياسات في تعقيد محاولات تطوير التجارة البينية وجذب المزيد من الاستثمار الأجنبي، ومعالجة تغير المناخ، وصعوبة تحويل الخليج العربي إلى مركز عالمي للسفر والاتصالات والتمويل والخدمات اللوجستية Miller 2016.
دول الخليج تنقسم أيضا في خيارات وأولويات التحالفات الخارجية، كما يغيب التنسيق في خيارات التعامل مع القوى الدولية ككتلة خليجية واحدة، حيث يغيب مجلس التعاون كمنظمة إقليمية في مشاورات ومفاوضات التغيرات التي تحدق بدول المنطقة بشكل متفاوت ومشترك.
وتحتاج دول الخليج لتنشيط آلية الحوار السياسي المؤسسي وتعزيز تدابير بناء الثقة وآليات الضمان لدعم الحوار واعتماد معايير ملزمة لتحقيق المصلحة العليا لشعوب الخليج دون الاضطرار الى قطع العلاقات بين شركاء مجلس التعاون الخليجي. وتختلف الرؤى الدولية حول دعم مجلس تعاون خليجي قوي ومتكامل رغم ادعاء الولايات المتحدة ذلك (استراتيجية الأمن القومي الأمريكية، 18 ديسمبر 2017).
على المدى الطويل، يمكن أن يولد الإطار المؤسسي لتنسيق السياسات الخليجية دعامة قارة للتوفيق بين مفاهيم معقدة تزاوج بين أهمية الأمن القومي الخليجي المشترك والمصلحة الوطنية لكل بلد. وهو ما قد يحقق توازن القوى ويدعم الدول نحو التعاون تحت مبدأ (رابح رابح)، الإضافة لخلق ظروف أفضل لآلية قارة للمصالحة الإقليمية والحد من الصراعات عبر الشرق الأوسط الأوسع[4].
زيادة الحاجة لإصلاح منظومة التعاون الخليجي لتجنب مخاطر الصراعات
لا يمكن عزل مسارات السياسات السائدة داخل دول مجلس التعاون الخليجي عن السياسة الواقعية المحلية أو العالمية. في المنعطف التاريخي الحالي، يبدو أن دول الخليج الست غارقة في عدم التطابق بين التصورات، والميول نحو عدم الامتثال للمعايير المفترضة (المحلية والدولية) التي تحكم السلوك السياسي الجماعي وهو ما قد ينجم عن سياسات استفزازية. حيث إن انعدام الاتفاق حول معايير مشتركة، يعرض الاستقرار الإقليمي للخطر[5].
ويمثل التنافس على كل من التنمية والأمن الغذائي والمائي والبحري والتنافس العسكري واختلاف التصورات الأمنية وعدم انسجام السياسات الخارجية وتناقض التحالفات وعدم التوافق حول مستقبل التطبيع مع إسرائيل.
ولعل متغيرات دخول إسرائيل الى الفضاء الخليجي كشريك كمحتمل مع بعض دول المنطقة وعامل توقعات خروج للقوات الأمريكية من الخليج، هي مقدمة لمسارات مختلفة لاستراتيجية دول المنطقة وتحتم عليها اما السير في تعزيز التحالفات الاقليمية البينية أو زيادة التنافس والتحالفات المضادة.
وفي مرحلة ما بعد الجائحة التي تحتم زيادة اعتماد سياسة براغماتية أكبر في البحث عن تحالفات من أجل المصالح، قد تتغير معايير ديبلوماسية دول الخليج وفق بوصلة العلاقات والتحالفات مع شركاء قد يكونون متناقضين، حيث سيكون المحدد الأبرز لسياسات دول الخليج تحقيق أولوية مصالح شعوبها وتأمين ازدهار تنميتها في ظل واقع بيئي وجيوسياسي يميل للتقلب وعدم الاستقرار، وهو ما قد يقود في بعض الأحيان الى توقع زيادة تناقض سياسات دول مجلس التعاون. وهو ما يحتم مراجعة وإصلاح هيكلية المنظمة الخليجية وأهدافها في مرحلة ما بعد الجائحة. في الأثناء يظهر مسار قوي لبعض دول الخليج لفك منظومة الاعتماد على القوى الخارجية من أجل حماية مصالحها والتحول الى قوة إقليمية مهيمنة تحقق الاكتفاء الذاتي اقتصاديا وعسكرياً، وهو ما قد يمثل محور تنافس بين بعض دول المنطقة.
اختلاف التصورات الأمنية
إذا كانت التصورات الأمنية المشتركة هي أساس مجلس التعاون الخليجي، فقد يتم اعتبار عام 2011 باعتباره العام الفاصل الذي بدأ فيه مجلس التعاون الخليجي في الانقسام من الداخل. ومثلت الأزمتان داخل دول مجلس التعاون الخليجي عامي 2014 و2017 مظاهرًا لتضارب التصورات الأمنية، والتي تشكلت عبر دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2011 ومنذ ذلك الحين. وبرزت ثلاثة تصورات مختلفة للتغيير السياسي. أولاً، نظرة حكومات المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة إلى الاحتجاجات المحلية على أنها تهديد “داخلي”. ثانيًا، تصور قادة عُمان والكويت الاحتجاجات في بلادهم على أنها حالة من انعدام الأمن الداخلي يمكن التحكم فيه، وليس على أنها أحداث منسقة خارجيًا بالكامل ربما لأنهم لم يدركوا وجود خطر مباشر على استقرارهم وشرعيتهم. أخيرًا، يمكن القول إن حكومة قطر لم ترَ أي خطر حقيقي في الاحتجاجات، لكنها اعتبرت بدلاً من ذلك فرصة لتوسيع نفوذ الدوحة الإقليمي، على حساب الرياض.[6]
الدروس المستفادة من أزمة قطر
انتهى حصار قطر، لكن أزمة الخليج ما زالت قائمة. لم تفعل جهود المصالحة الإقليمية شيئًا لمعالجة الخلافات الجوهرية التي تفرق بين قطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين[7]. وان انتهى الخلاف مع قطر لكن الإعلان الرسمي لا يذكر شيئًا عن السياسة الخارجية، مما يعني أن الخصومات بين دول الخليج قد تستمر في تأجيج الصراعات والتوترات السياسية في الشرق الأوسط وأفريقيا[8].
وبعد ثلاث سنوات من انقطاع العلاقات بين قطر والدول الخليجية الثلاث زادت محاولات ناشئة لإعادة تشكيل توازنات القوة في المنطقة. اتبعت المملكة العربية السعودية وقطر سياسة خارجية نشطة في العقد الماضي، خاصة منذ الانتفاضات العربية في عام 2011، لكن هذه السياسة تم تنفيذها في الغالب جنبًا إلى جنب مع معظم القوى الإقليمية وبصورة وثيقة مع الدول الغربية. ساعد هذا النهج مجلس التعاون الخليجي الذي تقوده السعودية على أن يصبح القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية في المنطقة، حيث أصبحت دول مثل مصر وسوريا غارقة في مشاكلها الداخلية. وقد مكنت تلك التحولات في المنطقة المملكة العربية السعودية من أن تصبح قوة إقليمية أكبر مما كانت عليه في أي وقت مضى[9]. فخلال القمة 41 لمجلس التعاون الخليجي بالرياض بداية العام الجاري في مساعي للتأكيد على القيادة السعودية في دول مجلس التعاون الخليجي، يضمن إعلان العلا تعزيز أواصر الأخوة بين الدول الأعضاء واستعادتها، وهي نتيجة طبيعية لانفجار أزمة دول مجلس التعاون الخليجي[10]. ويحدد عمق التحولات الاقتصادية وقدرة الدول على التعافي طبيعة اتجاهات سياسات الدول الخليجية وتحديد مسار علاقاتها المشتركة وفق معايير التقاء المصالح أو تضاربها.
2021 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث (CSRGULF)
الهوامش:
[1] Jens Heibach, Public diplomacy and regional leadership struggles: the case of Saudi Arabia, International Politics, 2021, https://link.springer.com/article/10.1057/s41311-021-00310-7
[2] Cyril Widdershoven, GCC Economies Struggle with Post-COVID Options, with instability on the Horizon, December 11th, 2020, https://blogs.eui.eu/medirections/gcc-economies-struggle-with-post-covid-options-instability-on-the-horizon/
[3] Stanley Reed, Behind the Clash at OPEC: Growing Competition in the Gulf, July 6, 2021, https://www.nytimes.com/2021/07/06/business/Saudi-Arabia-UAE-OPEC.html
[4] Rory Miller, Managing Regional Conflict: The Gulf Cooperation Council and the Embargo of Qatar, First published: 27 May 2019 https://doi.org/10.1111/1758-5899.12674
[5] Larbi Sadiki &Layla Saleh, The GCC in Crisis: Explorations of ‘Normlessness’ in Gulf Regionalism, Research Article, Pages 1-16 | Published online: 10 Jun 2020, https://doi.org/10.1080/03932729.2020.1747287
[6] Cinzia Bianco, Gareth Stansfield, The intra-GCC crises: Mapping GCC fragmentation after 2011, University of Exeter, May 2018, International Affairs 94(3):613-635, DOI:10.1093/ia/iiy025, https://www.researchgate.net/publication/324944068_The_intra-GCC_crises_Mapping_GCC_fragmentation_after_2011
[7] Samuel Ramani, The Qatar Blockade Is Over, but the Gulf Crisis Lives On, Foreign Policy, Jan 2021, https://foreignpolicy.com/2021/01/27/qatar-blockade-gcc-divisions-turkey-libya-palestine/
[8] Elham Fakhro, Resolving the Gulf Crisis outside the Gulf, Crisis Group, Jan 2021, https://www.crisisgroup.org/middle-east-north-africa/gulf-and-arabian-peninsula/resolving-gulf-crisis-outside-gulf
[9] Hassan Hassan, Gulf Crisis Fragments American Allies and Ends Saudi Regional Leadership, Newline Insitute, June 5, 2020, https://newlinesinstitute.org/gulf-states/gulf-crisis-fragments-american-allies-and-ends-saudi-regional-leadership/
[10] Betul Dogan Akkas, What does the breakthrough in the GCC crisis mean for Turkey?, AL sharq strategic Research, 05 February 2021,https://research.sharqforum.org/2021/02/05/what-does-the-breakthrough-in-the-gcc-crisis-mean-for-turkey/