بقلم. الباحثة منى فهد عبدالرزاق الوهيب، الكويت
الكويت، 12 ديسمبر 2022: إن لدى كل مكّون اجتماعي سواء كان ذلك المكون هو الأغلبية، أو كان أقلية من الأقليات الاجتماعية “كالمقيمين بصورة غير قانونية” في الكويت وغيرها من بلاد العالم، مطالب خاصة يشعر بحيويتها وأهميتهاويشعر بأنها حقوق هضمتها الأكثرية أو الحكومات ومؤسسات الدولة، ولهذا فإن من المهم جداً العمل على فهم تلك المطالب.
ولكن في ظل انقسام المجتمع إلى قسمين: منهم المؤيد والآخر المعارض، تكون المشكلة الكبرى في التحليل البغيض، وتلك المسارعة الظاهرة إلى إصدار الأحكام المسبقة، والمسارعة إلى تصديق ما يشاع عن “البدون” من المعارضين، لأنهم يرونهم مكوناً منافساً، فتجد كل فريق لديه كمّ كبير من التصورات والمفاهيم الخاطئة، والتي لا تستند إلى أي برهان، كما أنها لم تتعرض لأي تمحيص أو اختبار، وهذا تقاعس من الحكومة ومن هو مسئول عن هذه الفئة. وقد أدى هذا إلى تباعد المسافات بين مكونات المجتمع وبين فئة “البدون”، ورسّخ العداء وسوء الظن عند البعض من الطرفين.
إن مطالب البدون متمحورة حول حقوقهم المدنية المنتهكة مثل الحصول على الهوية الشخصية، التي تؤهلهم للعلاج، والدراسة، وتخليص معاملاتهم في مؤسسات الدولة، وتمكنهم من استخراج وثيقة السفر، والحصول على عمل كل حسب درجته العلمية في القطاعين الحكومي والخاص، والتي تضمن لهم العيش برخاء وكرامة، وكذلك الحقوق الاجتماعية، كالزواج والطلاق، وامتلاك العقارات، وغيرها من حقوق منتقصة.
إن تفهم إدارة الدولة لتلك المطالب على نحو دقيق هو الخطوة الأولى على طريق التعامل معها، وإن تلبيتها، أو تلبية بعضها يكون مكلفاً من الناحية الاقتصادية في بعض الأحيان، ولكن مهما بلغت كلفته فإنها تظل أقل من كلفة استهلاك طاقات أجيال بتعطيل وشل عجلة الحياة لديهم بسبب اختلاف التصور باستحقاقهم لتلك الحقوق من عدمه، بل إن عدم فهم مطالبهم قد يؤدي إلى زيادة معدل الانحرافات اللاأخلاقية التي تفسد المجتمع.
لا بد من الوعي بالأسئلة التي تطرحها فئة البدون ومن يؤيدها في كل المحافل والتجمعات والمقابلات والحوارات في جميع وسائل الإعلام، وهذه الأسئلة نابعة من عمق معاناتها من تحديات العيش الصعب، ومن عمق خبراتها في التعامل مع حكومات متعاقبة، عجزت عن حل مشكلة إقامتهم في بلدهم الذي ولدوا ونشأوا فيه.
إن الوعي بالأسئلة والأجوبة عليها، يعني طرح تلك الأسئلة وإجراء حوارات ومثاقفات حولها، ومعالجة النتواءات والمشكلات التي تعاني منها تلك الفئة، وهي من مثل: المواقف والأساليب والأدوات التي تجعل البلاد تنبذ هذه الفئة، وتحرمها من حقوقها الإنسانية التي تجعلها تعيش بكرامة واستقرار واطمئنان؟. ما دور القوانين في مناهضة التمييز ضد فئة البدون؟. ما التصرفات والإجراءات والمواقف التي تؤجج نار العنصرية في المجتمع؟. إلى أي حد نحن مدركون لخطورة الفشل في التعامل مع مشكلة “البدون” داخل البلاد؟. كيف يمكننا جعل هذه الفئة في مجتمعنا مصدراً للثراء ومصدراً لكسر التمييز والعنصرية والرؤية الدونية لفئة ضحوا آبائهم وأجدادهم بأرواحهم من أجل أرض تبادلت معهم البذل والعطاء؟.
إن مهمة الحقوقيين والمثقفين من كل أطياف المجتمع ومكوناته امتلاك ما يكفي من الاهتمام والجرأة لطرح هذه الأسئلة وإدخال تحسينات على أحوال “البدون”.
يظن البعض أن طرح أسئلة من هذا النوع ينبه المعارضين لقضية البدون، ويوقظ غرائزهم العنصرية والطائفية في اتجاه بغيض لحقوق إنسانية تخص هذه الفئة، فيبدأون في إخراج مكامن المشكلات والتحديات على حساب حقوقهم الأصيلة الذي وهبهم الله إياها ليس تفضلا من البشر.
إن لم نحفظ لهم الكليات الخمس التي وردت في الشرع لا خير في إنسانيتنا.
ملاحظة: “المقالات المنشورة انعكاس لقناعات أصحابها و تنشر بكل حرية ولا تعكس أي توجه للمركز”.
منى فهد عبدالرزاق الوهيب
M.alwohaib@gmail.com
@mona_alwohaib