بقلم الأستاذ صالح أحمد عاشور
رئيس المركز
- المفسدون تحول بعضهم إلى أشباح بسبب قدرة التخفي وراء واجهات مختلفة
- من المهم تربية أطفالنا على عدم التستر على فساد أو منكر
- لا حديث عن اصلاح البلاد واقتلاع جذور الفساد الا بتعديل بعض النظم السياسية خاصة النظام الانتخابي الحالي
- الأجدى أن نحول التنافس بين النخب السياسية تحت قبة البرلمان من صراع هدفه التأزيم الى توافق من أجل مصلحة الوطن ووحدته
- الأمان الوظيفي في خطر ومهدد برهانات الحكومة على الخصخصة
- الحلول الترقيعية والتجميلية لا يمكنها ان تعالج أزمة البدون المتفاقمة
ومن آياته قول الله تعالى، الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد”، صدق الله العظيم، في دلالة لتحذير الخالق من الفساد وخطورته خاصة المرتبط بسوء استخدام النفوذ والسلطة.
اننا نسمع حديثاً في منابر كثيرة عن الفساد، لكن هذه التصريحات تظل في إطار الاستهلاك المحلي دون اقتلاع جذور الفساد والمفسدين الذين تحول بعضهم إلى أشباح بسبب قدرة التخفي وراء واجهات مختلفة.
ان الفساد ينهش في جسم الأمة، وكلما تمت المسارعة في علاجه، صلح الجسم كله. ولا مستقبل مزدهر لأجيالنا في الغد بدون تربية سليمة تحتوي على ثقافة تنبذ كل أساليب الفساد بأنواعه صغيره وكبيره.
وقد بات من المهم تربية أطفالنا على عدم التستر على فساد أو منكر، وأصبح من المهم تحفيز مبادرة تغيير المنكر واصلاح الخطأ أو التبليغ عنه.
لا يوجد فساد في الكويت إلا بمباركة من متنفذين، ولا يمكن أن تكون هناك قضية فساد من دون علم الحكومة ومن دون معرفة أشخاص موجودين في السلطة لأن الفساد أصبح مؤسسة متكاملة، سواء كان بعضهم داخل السلطة أو الحكومة.
ان مجلس الأمة يحتاج لتفعيل أدوات جديدة لمحاصرة ظاهرة الفساد السلبية التي تهدد مستقبل أجيال، وبات دوره التشريعي البحث في هذه القضايا وتقصي الفساد المستتر خاصة الكبير والصغير. وفي النهاية يتحتم على نواب الأمة زيادة كشف المخالفات والتجاوزات واحالة القضايا إلى جهات الاختصاص إما جهاز نزاهة أو النيابة العامة.
ان المحسوبية والواسطة في التعيينات تبقى أزمة تؤرق إدارة القطاع الحكومي وتهدر المال العام وتسيء توزيع الكفاءات العاملة خاصة أصحاب الخبرات.
رغم تراجع تصنيف الكويت في مدركات الفساد، الا أن قضايا الفساد منذ سنوات في تصاعد وسمعة الكويت في تراجع. كما ان التساهل في ردع المفسدين واحساسهم بالقدرة على الإفلات من العقاب يرسخ لأزمة فقدان الشقة الشعبية في الإدارة والدولة وفاعلية الديمقراطية التي تفتخر بها البلاد.
الديموقراطية خيار لا رجعة عنه وقد تكون فوائدها ملموسة أكثر إذا تمكنت النخب على التوافق على معايير أكثر مناعة ضد ممارسات الفساد العلني أو المستتر. ان المواطن يربط بين الديموقراطية والوضوح التام في الكشف عن الحقائق والقضايا الحيوية. لذلك فمن الأجدى أن نحول التنافس بين النخب السياسية تحت قبة البرلمان خاصة من صراع هدفه التأزيم وتحقيق مصالح ذاتية الى توافق من أجل مصلحة الوطن ووحدته. فأكبر تهديد لوحدته مستقبلاً هو التستر عن آفة الفساد التي ان استشرت فقد تعرض مصير أجيال بأسرها للخطر.
وأخيرا، لا حديث عن اصلاح البلاد واقتلاع جذور الفساد منها الا من خلال تعديل بعض النظم السياسية خاصة النظام الانتخابي الحالي، حيث يكرس الفساد ويعمل على وصول أعضاء مستسلمين للحكومة.
نموذج الكويت: تحليل التحديات والفرص حسب المجالات والملفات الملحة
مستقبل أجيال الغد أمانة
نحن نعتقد بأهمية تحقيق مقاصد شعار الكويت أولاً وأكثر عدلاً. فالحلول تأتي من الكويت والكويتيين. ولتنجح الكويت في رفع تحديات المستقبل يجب أن ترسخ لعدالة الفرص والعدالة والمساواة في تطبيق القانون، والعدالة في انصاف أجيال المستقبل.
هناك مجالات كثيرة تقتضي النهوض بتحديات مختلفة واقتراح حلول لها ومن أبرزها التالي:
الفساد
مقاومة الفساد تطبيق والتزام وليس تنظير وقوانين. يجدر التنبيه ان الولاءات والتدخل السياسي ماتزال عثرة تؤرق جهود تحسين كفاءة الادارة في الكويت. كما أن المشكلة الأكبر تتلخص في الفساد المستشري في الإدارات العليا.
الحالة الاجتماعية ومعيشة الكويتيين وحلول التكويت
كلفة المعيشة قد تتضاعف ثلاث مرات في المدى القريب بسبب موجة التضخم العالمي التي قد تزيد باستمرار الحرب الروسية الأوكرانية، في المقابل تبقى جهود الحكومة محدودة في تأمين الأمن القومي الغذائي وتعزيز الاستثمارات الزراعية داخل وخارج الكويت. كما أن التضخم قد يزيد من استنزاف جيب محدودي الدخل من الكويتيين.
يجب الإقرار بأن الأمان الوظيفي في خطر ومهدد برهانات الحكومة على الخصخصة لمواجهة عجز مستقبلي. الأفضل هو زيادة التكويت في القطاعات الحساسة ومضاعفة التدريب وتحسين ظروف العمل.
التعويل على التوصيات الدولية لمعالجة تحديات الكويتيين الداخلية هذا رهان خاطئ قد يوقع الكويتيين في المستقبل في معضلة الديون وبذلك التأثير في سيادة قرارات الدولة.
التعليم
التعليم لا يتحسن بالبناء والعمران ولكن بالكفاءات والابتكار والايمان. يجب تشريك قطاع التعليم في رؤية تنموية واضحة يتم تحديثها سنويا على مستوى المعايير والمناهج وفق متطلبات السوق والتنمية المستدامة.
كما يجدر تعزيز سياسات ومحفزات الإيجابية في المدارس والجماعات لمقاومة ظاهرة العنف السلوكي بين الطلبة. كما أن زيادة خلق فضاءات الترفيه الصديقة للبيئة للطلبة لتقليص الإدمان على الانترنت.
الحقوق والحريات
نلاحظ استقرار سلبي لمركز الكويت في مؤشر الحريات وخاصة حق التعبير والصحافة رغم التحسن نتيجة المصالحة مع المعارضة. ان قيود قوانين الجرائم الالكترونية تحبط المغردين وتجعلهم ينفرون عن حرية التعبير وتقديم مقترحات بناءة تفيد البلد.
الملف الاقتصادي
ان ضبابية خطة التنمية يقلق مستقبل أجيال الغد. فالكويت أقل دول الخليج في تنويع اقتصادها. في 2025 من المتوقع تسجيل عجز في الميزانية إذا استمر الخلاف في الرؤية والأولويات بين الحكومة والمجلس لأن مستقبل سوق النفط لم يعد مستقرا. فالحرب الروسية الأوكرانية زادت من قناعة الاوروبيين بالتخلص قريبا من النفط والتحول للطاقة البديلة.
الكويت أقل اعتمادا على النفط استشراف قد يصحبه عجز. وتكلفة العجز إذا ما تم استباقها من اليوم يمكن ان تسحب من جيب المواطن الكويتي.
يجب أن نعترف أن الحرب الروسية ووباء فيروس كورونا كشفوا نقاط ضعف كثيرة في الاقتصاد الكويتي أهمها ضعف الامن الغذائي. وقد بات الرهان اليوم أكثر أهمية على تعزيز وتنويع الاستثمار ويجدر بنا تجاوز أزمة الاستثمار في القطاع الخاص وتشجيعه بعيدا عن الاحتكار والمساومة.
يجب الإشارة الى وجود ضبابية في خطة الحكومة في جذب استثمارات أجنبية للبلاد، حيث انخفض تدفق الاستثمارات الخارجية منذ 2018 الى اليوم بنحو 300 في المئة تقريبا من 204 مليون دولار في 2018 الى سلبي (-319) هذا بسبب عدم استقرار الوضع السياسي وضبابية الإصلاح الاقتصادي والفساد.
الوضع يخلق ضرورة لمراجعة التشريعات لتعزيز مناخ الاعمال والاستقرار والشفافية ومكافحة الفساد الإداري والحكومي ودعم شراكة القطاع العام والخاص.
ملف البيئة و جودة حياة أجيال المستقبل
الحكومة لا تفكر بالشكل الاستباقي والاستشرافي في حماية بيئة نظيفة لأجيال المستقبل. فكلفة اختلالات التنمية الحالية مكلفة جدا على جودة المناخ والبيئة لأجيال المستقبل، حيث ان الكويتيين الأكثر على مستوى الخليج والعالم تعرضاً لتداعيات المناخ على مستوى الحرارة والبيئة البحرية الملوثة.
مدن في الكويت قد لا تصبح مثالية للعيش في 2030، بسبب ارتفاع منسوب التلوث والغازات وازدحام السيارات. وبذلك حان الوقت للتسريع في ربط مدن الكويت بسكك حديدية لتوفير الطاقة والحد من التلوث والازدحام المروري. ولذلك لماذا لم يتم التنصيص على تخصيص إدارة لمراقبة وإدارة التغيرات المناخية والتنسيق بين الحكومة والمجتمع المدني لتقديم توصيات يتم تحديثها لتحفيز الاستجابة المثالية للتحولات المناخية وعلاجها مسبقا. كما لا بد من استجابة للتشريعات في استشراف التغيرات المناخية واثارها على المجتمع واجيال المستقبل.
الشباب الكويتي
اعتمادا على احصائيات تفيد بأن الشباب الكويتي الأكثر ابداعا وابتكارا عربياً، يجب زيادة الاهتمام بهذه الثروة البشرية الوطنية المبدعة وخاصة بالموهوبين منهم والطاقات المهدورة. فالشاب الكويتي لا يجد تقديرا بالشكل الكافي في بلاده خاصة على مستوى الاستعانة به في المناصب القيادية. يجب أن نقر أن ربع الشباب الكويتي عاطل وفق ارقام البنك الدولي 2021.
ان هجرة الكفاءات والعقول الكويتية باتت ظاهرة مزعجة تؤرق مستقبل التنمية المستدامة. ففي بلد ثري كالكويت يقتضي ألا تكون مثل هذه الظاهرة الا نادرا. يجدر التطرق لمسألة مقلقة تتعلق بأن بالكويت أصبحت ضمن أكثر دول المنطقة تسجيلا لارتفاع مطالب اللجوء. فدول أخرى باتت تستقطب الشباب الكويتي المبدع.
ان تعزيز ثقة الكويتيين في المشاركة في تنمية بلادهم باتت أمر ضروري. وبالتالي يجدر إقرار عدالة فرص الاستثمار وعدالة فرص التوظيف والترقيات.
ان اصلاح إدارة ديوان الخدمة المدنية بات مطلبا ملحا حتى يصبح أكثر كفاءة في تعزيز فرص التوظيف العادلة وليست الانتقائية. فالانتقائية أحيانا تكون على حساب معايير الكفاءة. ان بيروقراطية الحكومة والاحتكار تهدر طاقات الابداع الكويتي وتدفع بعضه لنفور مبادرات المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
مساعدات الكويت الخارجية
الكويت قدمت نحو 26 مليار دولار مساعدات خارجية في المقابل تراجع حجم الاستثمار الخارجي في البلاد الى اقل من 15 مليار دولار. ماذا استفادت الكويت من هذه المساعدات التي تصرف عشوائيا. فالدول المانحة تقدم مساعدات من أجل كسب فرص استثمارية ومصالح، لكن الحكومة الكويتية تصرف على المساعدات دون تحقيق استفادة مذكورة.
قضايا المرأة
الكويت في المتربة الأخيرة خليجيا في تمكين المرأة من المناصب القيادية والسياسية. الكويتيات الجامعيات وان تفوقن على الذكور في التعليم، لكن ليست هناك عدالة في الترقيات والمناصب القيادية في سوق العمل. ونستغرب لماذا المرأة الكويتية من أقل الخليجيات تمكينا في مواقع القرار والفكر والمبادرة.
الظواهر السلبية في المجتمع
ان ارتفاع معدلات العنف والجريمة في البلاد يبعث على القلق خاصة أن تشمل نسبة هامة من المراهقين. لقد أصبح سلوك الشباب المعادي للمجتمع والعنيف مصدر قلق وطني كبير وموضوع سياسي رئيسي أثارته التغطية الإعلامية لجرائم العنف النادرة والمدمرة.
أشارت إحدى الإحصائيات لعام 2021 إلى أن هناك أكثر من 40 ألف الى 50 ألف مدمن في الكويت، رغم أن الأرقام الرسمية المسجلة لدى وزارة الصحة أقل بكثير. وتؤكد تقارير في هذا المجال أن الزيادة الأخيرة في معدلات العنف والجريمة في الكويت ناتجة بشكل رئيسي عن تعاطي المخدرات.
زيادة ظاهرة العنف بين الأطفال والمراهقين مع ملاحظة ظواهر غريبة كالتطرف والتعصب السلوكي لدى البعض مع زيادة رصد حالات الاكتئاب والانعزالية خاصة بين صفوف المراهقين والتي أوصلت بعضهم الى حالات مرضية أو ارتكاب جرائم بدوافع الاضطراب النفسي والقلق المزمن والاكتئاب الحاد.
ان أكثر من ثلث طلبة الكويت على سبيل المثال يتعرضون للتنمر. ونحو أكثر من نصف طلبة المدارس تعرضوا لعنف جسدي.
لقد بات من الضروري تعزيز إجراءات لدعم وظيفة بنصف وقت للأم الحاضنة لأكثر من ابن وذلك بهدف تعزيز حضور الام مع أولادها ورعايتهم.
البدون
في ظل اهمال الحكومة لعلاج فوري لقضية البدون، فان حجمهم يزيد في الصمت ويقدر بنحو ربع مليون بنهاية 2030.
ان الحلول الترقيعية والتجميلية لا يمكنها ان تعالج أزمة البدون المتفاقمة. لماذا لا تستفيد الكويت من الكفاءات البدون وتحتويهم قبل فوات الأوان؟