ملخص تنفيذي
14 ديسمبر 2025 (CSRGULF): تدخل رؤية الكويت 2035 مرحلة حرجة، في ظل تزايد الضغوط المالية، وتباطؤ مسار التنويع الاقتصادي، وتنامي الفجوة بين الطموحات المعلنة والنتائج المتحققة على الأرض.
ورغم تسجيل الكويت تقدّمًا نسبيًا في استقطاب مؤسسات مالية عالمية كبرى مثل بلاك روك، غولدمان ساكس، كارلايل، فرانكلين تمبلتون وأرديان، فإن هذا الزخم الخارجي لم ينعكس بعد على تحوّل هيكلي عميق في نموذج الاقتصاد الكويتي، الذي لا يزال أسير الدولة الريعية، والبيروقراطية الإدارية، والاعتماد المتبادل بين الحكومة والنفط.
1- ثقل الدولة المفرط في الاقتصاد
لا تزال الكويت تعاني من ثقل الدولة المفرط في الاقتصاد، حيث تشير التقديرات إلى أن نحو 80% من الإنفاق الحكومي يذهب إلى الرواتب والدعم.
هذا النموذج أدّى إلى دائرة استنزاف مزمنة تقوم على اعتماد الحكومة على النفط كمصدر رئيسي للإيرادات، واعتماد المجتمع على الحكومة كمشغّل وضامن للدخل، وتراجع الحوافز للإنتاج، المخاطرة، والابتكار.طالما لم تتخلص الكويت من هذا الاقتصاد الريعي، فإن أي تنويع سيبقى شكليًا، هشًا، وقابلًا للانتكاس مع أي صدمة نفطية.
2- البيروقراطية الإدارية العائق البنيوي الأكبر
رغم إطلاق مبادرات إصلاحية ورقمية، لا يزال الجهاز الإداري الكويتي يعاني من بطء شديد في اتخاذ القرار، عمل الوزارات في جزر معزولة، ضعف التنسيق وغياب المساءلة المبنية على الأداء، ثقافة إدارية قائمة على النفوذ الشخصي لا الكفاءة.
حتى المبادرات الإيجابية مثل منصة سهل الحكومية، وإصلاحات تراخيص الأعمال، لم تتحول إلى تحوّل مؤسسي شامل، بل بقيت نجاحات جزئية في بيئة إدارية تقاوم التغيير.
3- عقلية التعويل على الحكومة أزمة ثقافية لا اقتصادية فقط
إحدى أخطر معوّقات رؤية 2035 ليست مالية أو تشريعية، بل ذهنية، حيث أن الأفراد ينتظرون التوظيف الحكومي أكثر من المبادرة بالاستثمار الحر الذي يخلق الثروة. رغم حوافز الدولة يبقى الوعي السائد هو مطالبة الدولة بحل كل المشكلات. في حين يستمر القطاع الخاص مهمشا حيث يعتمد خاصة على الانفاق العام والعقود مع المؤسسات الحكومية. في المقابل ريادة الأعمال تُختزل في التجارة والخدمات سهلة وسريع الدخل أي الربح السريع.
هذه العقلية تفرغ مفهوم “القطاع الخاص القائد للنمو” من مضمونه، وتحوّله إلى قطاع تابع للدولة لا شريك مستقل في صناعة الثروة.
4- تنويع استهلاكي لا يخلق قيمة مضافة
رغم الحديث المتكرر عن التنويع الاقتصادي، فإن الواقع يكشف أن أغلب استثمارات القطاع الخاص تتركز في العقار، التجارة، والخدمات الاستهلاكية. هذه القطاعات تولد نشاطا اقتصاديا قصير الأجل. لكنها لا تبني قاعدة إنتاجية، ولا صادرات، ولا معرفة.
وبالتالي، فإن ما تحقق حتى الآن هو تنويع في الاستهلاك لا تنويع خالق للثروة، أي تنويع لا يؤسس لاقتصاد مستقبلي قادر على توليد دخل مستدام بعد النفط.
5- جذب المؤسسات العالمية فرصة لم تُستثمر بعد
يشكّل دخول لاعبين عالميين كبار مثل بلاك روك وغولدمان ساكس تطورا إيجابيً يعكس تحسّن الثقة الدولية في الكويت، ترقية التصنيف الائتماني للكويت، جاذبية الأصول السيادية ورأس المال الكويتي، غير أن الخطر يكمن في أن يتحول هذا الحضور إلى إدارة أموال، أو وساطة مالية فقط، دون أن يُترجم إلى نقل معرفة، بناء منظومات ابتكار، أو تحفيز قطاعات إنتاجية جديدة.
6- غياب محفزات الاقتصاد المبتكر
لا تزال الكويت تفتقر إلى بيئة متكاملة تدعم الابتكار، الاقتصاد المعرفي، الصناعات التكنولوجية، البحث والتطوير.
فرغم تحسّن تراخيص الأعمال (ارتفاع 9.4% في الربع الأول من 2025)، فإن قفزة التراخيص الصغيرة والحرّة (227%) تعكس هروبا نحو الاقتصاد الصغير منخفض المخاطر، لا صعودًا نحو شركات قادرة على خلق قيمة مضافة عالية.
7- فجوة التنفيذ: الرؤية بلا أدوات
المشكلة الأساسية ليست في الرؤية، بل في آليات التنفيذ. تفتقر الكويت إلى أدوات قياس أداء حكومية موحدة، أنظمة تحليل بيانات تربط السياسات بالنتائج، ودوائر تغذية راجعة تصحح المسار. كما تصطدم الرؤية بالتحديات المناخية ومعضلة عدم حل أزمة البدون والمقيمين بصورة غير شرعية، حيث أنها تكبر ككرة الثلج عبر السنوات والأجيال، وثالثا تهميش الاصلاح الاداري والتعليمي وعدم الكفاءة في ادارة مخرجات التعليم والتكوين والتأهيل. فمثلما تستحق رؤية الكويت ثورة تشريعية تستحق أيضا نهضة تعليمية تواكب أهداق التنمية المستدامة في المستقبل لا خلق اقتصاد يقوم على فرص وجدوى مؤقتة خاصة في ظل تسارع وتيرة الاستغناء عن النفط والمحروقات. أهم أداة لمستقبل رؤية الكويت الجديدة بناء جيل جديد يعي التحديات والفرص ويتعلم لأجل خلق الثروة بنفسه في المستقبل عبر أدوات التكنولوجيا المتاحة والمستقبلية. ولكن بضرورة أن تكون مصادر ثروة المستقبل صديقة للبيئة التي ستحدد نمط عيش أجيال الكويت في المستقبل ورفاههم.
دون ذلك، تتحول الإصلاحات إلى إعلانات متكررة لا تغييرات هيكلية، وهو ما يفسر تراكم الخطط مقابل محدودية الأثر.
استنتاج:
تعثر رؤية الكويت التنموية لا يعود إلى نقص الموارد أو غياب الاهتمام الدولي، بل إلى اختلالات عميقة تتمثل في
اقتصاد ريعي لم يُكسر بعد، حصة الحكومة متضخمة في النشاط الاقتصادي، بيروقراطية تعيق المبادرة، تنويع استهلاكي لا يصنع ثروة، غياب محفزات الابتكار والإنتاج
إن لم تنتقل الكويت من اقتصاد توزّع فيه الدولة الريع إلى اقتصاد يُنتج فيه المجتمع الثروة، فإن رؤية 2035 ستبقى مشروعًا طموحًا في النصوص، متعثرًا في الواقع، مهما ارتفع عدد المؤسسات العالمية التي تفتح مكاتبها في البلاد.
2025 © مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث CSRGULF
المراحع:












